ذلك نفسا أبو جعفر الطّحاوي الحنفي فإنّه تكلّم في ذلك في زيادة على ألف ورقة ، وتكلّم معه في ذلك أبو جعفر الطبري ، ثمّ أبو عبد الله بن أبي صفرة ، ثمّ المهلّب ، والقاضي أبو عبد الله المرابط ، والقاضي أبو الحسن بن القصّار البغدادي ، والحافظ أبو عمر بن عبد البرّ وغيرهم (١).
قال القاضي عياض : وأولى ما يقال في هذا على ما فحصناه من كلامهم واخترناه من اختياراتهم ممّا هو أجمع للروايات وأشبه بمساق الأحاديث أنّ النبيّ (ص) أباح للناس فعل هذه الأنواع الثلاثة ليدلّ على جواز جميعها ، ولو أمر بواحد لكان غيره يظنّ أنّه لا يجزي فأضيف الجميع إليه وأخبر كلّ واحد بما أمره به وأباحه له ونسبه إلى النبيّ (ص) إمّا لأمره به وإمّا لتأويله عليه ... (٢)
وقال النووي في مكان آخر من شرحه : «قال المازري : اختلف في المتعة التي نهى عنها عمر في الحجّ ، فقيل : هي فسخ الحجّ إلى العمرة ، وقيل : هي العمرة في أشهر الحجّ ثمّ الحجّ من عامه ، وعلى هذا إنّما نهى عنها ترغيبا (٣) في الإفراد الذي هو أفضل لا أنّه يعتقد بطلانها أو تحريمها.
وقال القاضي عياض : ظاهر حديث جابر وعمران وأبي موسى إنّ المتعة التي اختلفوا فيها إنّما هي فسخ الحجّ إلى العمرة ، قال : ولهذا كان عمر (رض) يضرب الناس عليها ولا يضربهم على مجرّد التمتّع في أشهر الحجّ وإنّما ضربهم على ما اعتقده هو وسائر الصحابة أنّ فسخ الحجّ إلى العمرة كان مخصوصا في تلك السنة للحكمة التي قدّمنا ذكرها. قال ابن عبد البرّ : لا خلاف بين العلماء في أنّ التمتّع المراد بقول الله تعالى
__________________
(١) وتبعهم في الكتابة ابن قيم الجوزية في زاد المعاد وفي الموضوع حقّه ، وكتب فيه أيضا ابن حزم وكتبنا فيه هذا البحث. كتبت في هذا الموضوع طوال القرون آلاف الأوراق ولو اكتفى المسلمون بصريح الكتاب والسنة لكفتهم وريقة صغيرة.
(٢) لا ، والذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحقّ إن الرسول لم يأمر في حجة الوداع إلا بحج التمتع ومنع من غيره ، ولم يظن أحد في عصره ولا من بعده أن الرسول أمر بغير حج التمتع ، وإن كل هذه الأقوال قيلت في سبيل تبرير فعل الخليفة مع علم القائلين ببطلان أقوالهم.
إلى هنا أوردنا في المتن ملخصا من باب «بيان وجوه الإحرام وأنه يجوز إفراد الحج والتمتع ...» من شرح النووي ج ٨ / ١٣٤ ـ ١٣٧.
(٣) إن الخليفة عمر (رض) نهى عن حج التمتع وعاقب على فعله وأمر بالإفراد في الحج والعمرة كما صرحت بذلك الروايات التي أوردناها في ما سبق ، وإنما قال العلماء هذه الأقوال التماسا لما يعذرون به الخليفة.