(فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) هو الاعتمار في أشهر الحجّ قبل الحجّ ، قال : ومن التمتّع أيضا القران لأنّه تمتّع بسقوط سفره للنسك الآخر من بلده ، قال: ومن التمتع أيضا فسخ الحجّ إلى العمرة. هذا كلام القاضي.
قلت : والمختار إنّ عمر وعثمان وغيرهما إنّما نهوا عن المتعة التي هي الاعتمار في أشهر الحجّ ثمّ الحجّ من عامه ، ومرادهم نهي أولوية للترغيب في الإفراد لكونه أفضل ...».
انتهى ما نقلناه من شرح النووي (١) بتلخيص.
قال المؤلف : كلّ هؤلاء العلماء وكثيرون غيرهم ممّن كتبوا آلاف الأوراق في هذا الباب ، قد قرءوا في كتاب الله «فمن تمتّع بالعمرة إلى الحجّ» ، واطلعوا على تلك الروايات الكثيرة المتواترة الصحيحة عن رسول الله بتشديده الأمر بمتعة الحجّ ، وقرءوا كذلك نهي عمر عنها ومعاقبته عليها وتعليله بأنّ الإفراد أتمّ للعمرة وللحجّ وأن فيه ربيع أهل مكّة ، ومع كلّ ذلك نقرأ كلّ تلك الأقوال المتناقضة من أنّ الرسول أباح لجماعة بحجّ التّمتّع ، ولآخرين بالإفراد ، ولغيرهم بالقران ، ومن أجل اختلاف أقوال الرسول في حجّة الوداع اختلفت أقوال العلماء في هذا الصدد ، وأنّ عمر نهى عن فسخ الحجّ ولم ينه عن حجّ التّمتّع ، وإن نهي عمر وعثمان وغيرهما عن حجّ التّمتّع نهى أولويّة للترغيب في الإفراد لكونه افضل.
أرأيت كيف يصبح الحكم المخالف للكتاب والسنّة أفضل؟! ورأيت كيف يكون الترغيب إلى شيء بالعقوبة والضرب والحلق!!!؟
ومع كلّ هذا ليس لنا أن نشتط في القول على العلماء كما فعله ابن حزم ، بل ينبغي أن نعذرهم فإنّهم في ما فعلوا طلبوا الخير وأرادوا تبرير فعل الخلفاء ، وفي هذا السبيل وضعوا الأحاديث عن لسان رسول الله ولسان الأئمّة من أهل بيته والكبراء من صحابته ، وفي سبيل تبرير فعل الخلفاء أيضا سمّوا فعل الخلفاء اجتهادا وقالوا : إنّ الخلفاء تأوّلوا الخير ، والحقّ أنّ العلماء أيضا تأوّلوا الخير في ما فعلوا وقالوا.
* * *
__________________
(١) شرح النووي ٨ / ١٧٠ في الباب المذكور آنفا.