الرسول (ص) ـ سيرة وحديثا ـ غير المشوبة باجتهادات المجتهدين ، أن نعقد فصول هذا الكتاب وغيره مما أصدرنا من كتب وبحوث زهاء أربعين سنة والله على ما أقول شاهد ووكيل.
إذا فليعذرنا العاتبون اللائمون.
خلاصة البحث :
في مبحثنا عن موارد اجتهاد الخليفة عمر بحثنا قصّة عمرة التّمتّع فوجدنا العمرة في العصر الجاهلي محرّمة عند قريش في أشهر الحجّ ويرونها من أفجر الفجور ويقولون : إذا انسلخ صفر حلّت العمرة لمن اعتمر. ووجدنا الرسول قد خالفهم فيها واعتمر أربع عمر كلهنّ في أشهر الحجّ ، أمّا عمرة التّمتّع فقد وجدنا الكتاب قد نصّ عليها في قوله تعالى : (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ ...) وسنّها الرسول في حجّة الوداع فإنّه (ص) مكث تسع سنين بعد الهجرة لم يحجّ وأجمع الخروج إلى الحجّ في ذي القعدة سنة عشر من مهاجره وقد أسلمت جزيرة العرب ومن شاء الله من أهل ، اليمن فأذّن بالحجّ فقدم المدينة بشر كثير يريدون ان يأتمّوا برسول الله ويعملوا بعمله ، وسار من المدينة ومعه أزواجه وأهل بيته وعامّة المهاجرين والأنصار ومن شاء الله من قبائل العرب وأفناء الناس (١) ، وكان معه جموع لا يحصيهم إلّا خالقهم ورازقهم (٢) ، ووافاهم في الطريق خلائق لا يحصون ، فكانوا من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله مدّ البصر (٣).
قال جابر (٤) ورسول الله بين أظهرنا وعليه ينزل القرآن وهو يعرف تأويله وما عمل به من شيء عملنا به.
ولمّا انتهى إلى وادي العقيق قال لعمر بن الخطّاب : أتاني آت من ربّي ـ وفي رواية أتاني جبرئيل (ع) ـ وقال : قل «عمرة في حجّة ، فقد دخلت العمرة في الحجّ إلى يوم القيامة» وفي عسفان ، قال له سراقة : اقض لنا قضاء قوم كأنّما ولدوا اليوم ، فقال
__________________
(١) ما أوردنا هنا من أمر حج الرسول نقلناه من إمتاع المقريزي ص ٥١٠ ـ ٥١١.
(٢) سيرة ابن سيد الناس ٢ / ٢٧٣.
(٣) زاد المعاد ٢ / ٢١٣ فصل في حجه بعد هجرته قال ابن كثير في تاريخه ٥ / ١٠٩ ـ ١١٠ سميت حجة البلاغ لأنه «ع» بلغ الناس شرع الله في الحج قولا وفعلا ، وسميت حجّة الإسلام لأنّه لم يحج من المدينة غيرها.
(٤) راجع قبله ص ١٩٦.