في صنعة الوضع والافتراء ، فإنّهم مثلا يروون عن أبي ذر وهو في الربذة ، وعن الإمام علي وهو ينصح ابنه محمّدا ، وعن واحد من أصحاب النبيّ بأنّه أخبر عمر بنهي النبيّ عنها وهو في مرض موته ، ولكن مع كلّ هذا الجهد تعلّقت قلوب الناس بعمرة التمتع كما قيل ذلك لابن عبّاس ولم يكن سببه عدم اتباعهم لسنّة عمر ، بل كان سببه عدم تمكنهم من إطاعته فيها ، فإنّه لم يكن بمقدور المسلمين أن يشدّوا الرحال من أقاصي البلاد الإسلاميّة مرّتين ، مرّة للعمرة في غير أشهر الحجّ ، وأخرى للحجّ في أشهر الحجّ مثل الخراساني الّذي استفتى الحسن البصري في مكّة وقال : إنّي رجل بعيد الشقّة ... والآخر الّذي سأل مجاهدا وقال : هذا أوّل ما حججت فلا تشايعني نفسي ، فأيّ ذلك ترى أتمّ ، أن أمكث كما أنا أو أجعلها عمرة؟ (١)
لم يكن مسكن أمثال هؤلاء في الحجاز ليستطيعوا المجيء من بيوتهم إلى مكة مرّتين كما كان يأمر به عمر وعثمان وأتباعهم. وما ذا يصنع الذي قد يتاح له المجيء إلى الحجّ مرّة واحدة في حياته؟ وكيف يعمل مثل هذا بسنّة عمر؟ وقديما قيل : إذا أردت ألّا تطاع فاطلب ما لا يستطاع. من أجل هذا اضطر المسلمون إلى أن يتركوا من سنّة عمر ما لم يتمكّنوا من فعله وهو إفراد الحجّ من العمرة ، وأخذ بعضهم منها ما أمكنه فعله وهو عدم الإحلال بين العمرة والحجّ ، وبعضهم ترك سنّة عمر بالمرّة مثل أتباع مدرسة أحمد إمام الحنابلة.
على أنّ المسلمين في كلّ تلك القرون لم يألوا جهدا في تبرير فعل الخلفاء ، من روايتهم الحديث عن النبيّ وآله وأصحابه في تأييد رأي الخلفاء ، إلى تأييد فعلهم بما يستطاع قوله ، مثل قولهم : إنّ الخلفاء ضربوا وحلقوا للترغيب لأنّهم رأوا الإفراد أفضل! إلى تسمية فعل الخلفاء بالاجتهاد وأنّ المسألة اجتهادية وأنّ الخليفة اجتهد في هذه المسألة! إذا فقد قال الله ، وقال رسوله ، واجتهد عمر واتّخذ من اجتهاده حكما من أحكام الشرع الإسلامي!!!
__________________
(١) المحلى ٧ / ١٠٣.