إنّ ما اعتذر به الخليفة في تحريمه متعة الحجّ (بأنّهم لو اعتمروا في أشهر الحج لرأوها مجزية عن حجّهم) لا يصدق على نهيه عن الجمع بين الحج والعمرة ، وإنّما الصحيح ما اعتذر به في حديث آخر له من أنّ أهل مكّة لا ضرع لهم ولا زرع وإنما ربيعهم في من يفد إلى هذا البيت ، إذن فليأتوا إلى هذا البيت مرّتين ، مرّة للحجّ المفرد ، وأخرى للعمرة المفردة ليربح منهم قريش ارومة المهاجرين.
وأمّا اعتذاره في تحريم نكاح المتعة من أنّ عهد رسول الله كان زمان ضرورة خلافا لما كان عليه عهده ، فإن جلّ الروايات الّتي صرّحت بوقوعها في عصر رسول الله وبإذن منه ذكرت أنّها كانت في الغزوات وحال السفر ، ولا فرق في ذلك بين عهد رسول الله وعهد عمر إلى زماننا الحاضر وإلى أبد الدهر.
فإنّ الإنسان لم يزل منذ أن وجد على ظهر هذا الكوك ب ـ الأرض ـ ولا يزال بحاجة إلى السفر والاغتراب عن أهله أسابيع وشهورا ، بل وسنين طويلة أحيانا ، فإذا سافر الرجل ما ذا يصنع بغريزة الجنس في نفسه؟ هل يستطيع أن يتركها عند أهله حتى إذا عاد إليهم عادت غريزته إليه فتصرف فيها مع زوجه؟ أم أنّها معه لا تفارقه في السفر والحضر؟ وإذا كانت غريزته غير مفارقة إياه فهل يستطيع أن يتنكر لها في السفر ويستعصم؟ وإذا كان الشاذّ النادر في البشر يستطيع أن يستعصم فهل الجميع يستطيعون ذلك أم أنّ الغالب منهم تقهره غريزته؟ وهذا الصنف الكثير من البشر إذا طغت عليه غريزته في المجتمع الذي يمنعه من التّصرف في غريزته ويطلب منه أن يخالف فطرته وما تقتضيه طبيعته ما ذا يفعل عند ذاك؟ وهل له سبيل غير أن يخون ذلك المجتمع؟!
والإسلام الذي وضع حلّا مناسبا لكلّ مشكلة من مشاكل الإنسان هل ترك هذه المشكلة بلا حلّ؟! لا. بل شرّع لحلّ هذه المشكلة : الزواج الموقّت ، ولو لا نهي عمر عنها لما زنى الّا شقيّ (أو : شفى) كما قاله الإمام علي ، أمّا المجتمعات البشرية فقد وضعت لها حلّا بتحليل الزنا في كلّ مكان.
ولا يقتصر الأمر في ما ذكرنا على من يسافر من وطنه ، فإن للبشر كثير من الحالات في وطنه تمنعه من الزواج الدائم أحيانا سواء في ذلك الرجل والمرأة ، فما ذا يصنع
__________________
ـ التي تنفلق عن فرخها والفرخ قوب ، ضرب هذا مثلا لخلو مكّة من المعتمرين في باقي السنة ، وقرع حجهم ، أي خلت أيام الحج من الناس. نهاية اللغة ، مادة قوب.