إنسان لم يتمكن من الزواج الدائم سنين كثيرة من عمره في وطنه إن لم يلتجئ إلى الزواج الموقّت؟ ما ذا يصنع هذا الإنسان والقرآن يقول له «ولا تواعدوهنّ سرّا» ويقول لها : «غير متخذات أخدان»؟!
أمّا ما ذكره الخليفة في مقام العلاج من تبديل نكاح المتعة بالنكاح الدائم على أن يفارق عن ثلاث بالطلاق ، فالأمر ينحصر فيه بين أمرين لا ثالث لهما ، إمّا أن يقع ذلك بعلم من الزوجين وتراض بينهما فهو الزواج الموقّت أو نكاح المتعة بعينه ، وإمّا أن يقع بتبييت نيّة من الزوج مع إخفائه عن الزوجة فهو غدر بالمرأة واستهانة بها بعد ان اتّفقا على النكاح الدائم وأخفى المرء في نفسه نيّة الفراق بعد ثلاث ، وكيف يبقى اعتماد للمرأة وذويها على عقد الزواج الدائم مع هذا؟!
وأخيرا فإنّه يرى بكلّ وضوح من هذه المحاورة ومن كل ما روي عن الخليفة من محاورات في هذا الباب أنّ كلّ تلك الروايات التي رويت عن رسول الله في تحريمه المتعتين ونهيه عنهما والتي حفلت بتدوينها أمّهات كتب الحديث والتفسير وضعت بعد عصر عمر فانّ واحدا من الصحابة على عهد عمر لو كانت عنده رواية عن رسول الله تؤيّد سياسة الخليفة في المتعتين والتي كان يجهر بها ويتهدّد على مخالفتها بقوله (وأعاقب عليهما) لو كان واحد من الصحابة على عهده عنده من رسول الله شيء يؤيد هذه السياسة لما احتاج إلى كتمانها عن الخليفة ولنشرها ، ولو كان الخليفة في كلّ تلك المدّة قد اطّلع على شيء يؤيّد سياسته لا ستشهد به ولما احتاج إلى كلّ هذا العنف بالمسلمين.
هكذا انتهى عهد الخليفة عمر. بعد أن كبت المعارضين لسياسة حكمه وكتم أنفاسهم ومنعهم حتى من نقل حديث الرسول ـ كما أشرنا إلى ذلك في فصل (في حديث الرسول) ـ واستمرّ الأمر على ذلك إلى ستّ سنوات من خلافة عثمان ، وانتشر الأمر متدرّجا بعد ذلك فنشأ جيل جديد لا يعرف من الإسلام إلّا ما سمحت سياسة الخلافة ، بنشره وبيانه كما سنعرفه في ما يأتي :
نكاح المتعة من بعد عمر
في النصف الثاني من خلافة عثمان انقسمت قوى الخلافة على نفسها ، وكانت أمّ المؤمنين عائشة وطلحة والزبير وابن العاص ومن تبعهم في جانب ، ومروان وأبناء بني العاص وسائر بني أميّة ومن تبعهم في الجانب الآخر فأنتج الصّدام بينهما فسحة للمسلمين استعادوا فيها بعض الحرية ، وانتشر بعض الحديث