عند رجل جاءه رجل فاستفتاه في المتعة فأمره بها ، فقال له أبو عمرة الأنصاري ، مهلا ، قال : ما هي؟ والله لقد فعلت في عهد إمام المتقين (١).
* * *
يبدو أنّ هذه المحاورة وقعت على عهد ابن الزبير وزمن حكمه بمكّة ، وكان الاجتماع يوم ذاك يقع في البيت الحرام ، وأغلب الظنّ انّ هذه المحاورة وقعت أثناء خطبة الجمعة وفي ملأ حاشد من المسلمين ، لأنّا نرى أنّ ابن عبّاس كان يربأ بنفسه أن يحضر خطبة ابن الزبير في غير صلاة الجمعة التي كانوا يلزمون حضورها ، وأيضا يبدو بكلّ وضوح أنّ ابن الزبير لم يكن لديه يوم ذاك ولا كان لدى عصبته عصبة الحكم والخلافة أيّ مستند من قول الرسول أو فعله أو تقريره في نهيهم عن المتعة ، وإلّا لقابل حجّة ابن عباس من «أنّها فعلت على عهد إمام المتقين» بها.
وعلى عكس الحاكمين الّذين كانوا يستندون إلى هذا العصر في تحريمهم المتعتين إلى منطق القوة فحسب نجد المحللين لها أبدا يقابلونهم بسنّة الرسول حين تتاح لهم الفرصة أن يتحدّثوا ويدلوا بحجتهم.
ففي صحيح مسلم. ومسندي احمد ، والطيالسي ، وسنن البيهقي ، وغيرها ، واللفظ للأوّل عن أبي نضرة ، قال : كنت عند جابر بن عبد الله فأتاه آت فقال : ابن عبّاس وابن الزبير اختلفا في المتعتين. فقال جابر : فعلناهما مع رسول الله (ص) ثمّ نهانا عنهما عمر فلم نعد لهما (٢).
وفي رواية : قلت لجابر أنّ ابن الزبير ينهى عن المتعة وابن عباس يأمر بها ، قال جابر على يدي دار الحديث ، تمتعنا على عهد رسول الله (ص) فلمّا كان عمر بن الخطّاب وقال : إنّ الله عزوجل كان يحلّ لنبيّه ما شاء ، وأنّ القرآن قد نزل منازله ، فافصلوا
__________________
(١) صحيح مسلم ، باب نكاح المتعة ص ١٠٢٦ ح ٢٧ ، وسنن البيهقي ٧ / ٢٠٥ ، ومحاججة أبي عمرة الأنصاري وردت في مصنف عبد الرزاق ٧ / ٥٠٢.
وعن سعيد بن جبير قال : سمعت عبد الله بن الزبير يخطب وهو يعرّض بابن عباس يعتب عليه قوله في المتعة فقال ابن عباس يسأل أمه أن كان صادقا. فسألها فقالت : صدق ابن عباس قد كان ذلك ، فقال ابن عباس لو شئت سميت رجالا من قريش ولدوا فيها ، يعني المتعة. الطحاوي في باب نكاح المتعة من شرح معاني الآثار.
(٢) صحيح مسلم ، باب نكاح المتعة ح ١٤٠٥ ص ١٠٢٣ ، ومسند احمد ١ / ٥٢ باختلاف في اللفظ ، وج ٣ / ٣٢٥ و ٣٥٦ ، وفي ٣٦٣ منه باختصار ، وسنن البيهقي ٧ / ٢٠٦ ، وراجع كتاب مناسك الحج من شرح معاني الآثار ص ٤٠١ ، وكنز العمال ٨ / ٢٩٣ و ٢٩٤.