نصّت على أنّ التحريم كان قبل فتح مكّة وفي يوم فتح خيبر مثلا ، وروايات نصّت على أنّ التجويز والتحريم كانا بعد فتح مكّة ، وبما أنّهم التزموا صحّة جميع تلك الروايات المتناقضات ، اضطرّوا إلى أن يخترعوا جوابا لهذا التناقض فنسبوا إلى التشريع الإسلامي ما هو براء منه ، ونسبوا تكرار النسخ في هذه الواقعة كما يأتي بيانه.
نسخ حكم المتعة مرتين أو اكثر
عنون مسلم في صحيحه هذا الباب ب «باب نكاح المتعة وبيان أنّه أبيح ثمّ نسخ ، ثمّ أبيح ثمّ نسخ واستقر حكمه إلى يوم القيامة» (١).
وقال ابن كثير في تفسيره : وقد ذهب الشافعي وطائفة من العلماء إلى أنّه أبيح ثمّ نسخ ثمّ أبيح ثمّ نسخ مرّتين (٢).
وقال ابن العربي كما يأتي تفصيل قوله : تداوله النسخ مرّتين ثمّ حرّم.
وأشار إلى ذلك الزمخشري في الكشّاف (٣).
وقال آخرون : إنّ النسخ وقع أكثر من مرّتين (٤).
والحقّ معهم فإنّه إن جاز لنا أن نقول بتكرّر النسخ في حكم واحد دفعا لتناقض الأحاديث فلا بد لنا أن نقول بتكرّر النسخ على عدد الأحاديث المتناقضة. وعلى هذا فقد صحّ ما نقله القرطبي بعد إيراده قول ابن العربي حيث قال : وقال غيره ممّن جمع الأحاديث فيها : أنّها تقتضي التحليل والتحريم سبع مرّات ، فروى ابن عمرة : أنّها كانت صدر الإسلام ، وروى سلمة بن الأكوع أنّها كانت عام أوطاس ، ومن روايات على تحريمها يوم خيبر ، ومن رواية الربيع بن سبرة إباحتها يوم الفتح ، وهذه الطرق كلّها في صحيح مسلم ، وفي غيره عن عليّ نهيه عنها في غزوة تبوك ، وفي سنن أبي داود عن الربيع بن سبرة النهي في حجة الوداع ، وذهب أبو داود إلى أنّ هذا أصح ما روي في ذلك ، وقال عمرو عن الحسن : ما حلت قبلها ولا بعدها ، وروى هنا عن سبرة أيضا. فهذه سبعة مواطن أحلّت فيها المتعة ثمّ حرّمت ... (٥)
* * *
هكذا دفعهم التزامهم صحّة كلّ ما ورد في الكتب الموسومة بالصحّة إلى القول
__________________
(١) صحيح مسلم ، كتاب النكاح ، ص ١٠٣٢.
(٢) تفسير ابن كثير ١ / ٤٧٤ بتفسير «فما استمتعتم ...».
(٣) الكشاف ١ / ٥١٩.
(٤) حسب إحصاء ابن رشد في بداية المجتهد ٢ / ٦٣ بلغت خمس مرات.
(٥) تفسير القرطبي ٥ / ١٣٠ ـ ١٣١.