بنسخ حكم المتعة في الشرع مرّات متعدّدة. ولنعم ما قاله ابن القيم في هذا الصدد حيث قال : وهذا النسخ ، لا عهد بمثله في الشريعة البتة ، ولا يقع مثله فيها (١).
ومن السخف قول ابن العربي في هذا المقام حيث قال : أمّا هذا الباب فقد ثبت على غاية البيان ونهاية الإتقان في الناسخ والمنسوخ من الأحكام وهو من غريب الشريعة فإنّه تداوله النسخ مرّتين ... (٢).
* * *
وبالإضافة إلى ما ذكرنا لست أدري كيف تصح واحدة من تلك الروايات مع ما تواتر نقله عن الخليفة عمر (٣) أنه قال : متعتان كانتا على عهد رسول الله (ص) أنا أنهى عنهما ، متعة النساء ومتعة الحجّ وفي لفظ : وأحرّمهما.
كيف تصحّ واحدة من تلك الروايات وقد صحّ عن جابر أنّه قال : استمتعنا على عهد رسول الله وأبي بكر وعمر ، وفي رواية : حتى إذا كان في آخر خلافة عمر ، وفي رواية كنّا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيّام على عهد رسول الله وأبي بكر حتّى نهى عنه في شأن عمرو بن حريث (٤).
كيف تصحّ واحدة من تلك الأحاديث ولم يسمع بها الخليفة عمر ولا أحد من الصحابة ولا التابعين حتّى عصر ابن الزبير ، ولا كان عند أحد من المسلمين علم بإحدى تلك الروايات في كلّ تلك العصور وإلّا لأسعفوا بها الخليفة عمر فاستشهد بها ، وأسعفوا بها عصبة الخلافة حتى عهد ابن الزبير فاستشهدوا بها ، في حين أنّ المعارضين أمثال ابن عبّاس وجابر وابن مسعود وغيرهم كانوا يجبهونهم بسنّة الرسول ، ويستشهد بعضهم الآخر على ذلك فيسألون أسماء أمّ ابن الزبير ويقول عليّ وابن عبّاس لو لا نهي عمر لما زنى إلّا شقي ، وفي كل تلك الموارد لم يقل أحد بأن الرسول (ص) نهى عن متعة النساء.
أجل ، إن تلكم الأحاديث وضعت احتسابا للخير ، وتأييدا لموقف ثاني خلفاء المسلمين ، ودفعا للقالة عنه ، كما وضعت أحاديث الأمر بإفراد الحج والنهي عن العمرة احتسابا للخير ودفعا للقالة عنه ، وهذا مثل ما وضعوا في فضائل سور القرآن احتسابا
__________________
(١) زاد المعاد ٢ / ٢٠٤.
(٢) شرح الترمذي ٥ / ٤٨ ـ ٥١.
(٣) سبق ذكر مصادره في أول بحث متعة الحجّ ومتعة النساء وراجع زاد المعاد ٢ / ٢٠٥.
(٤) مر ذكر مصادره في سبب تحريم عمر متعة النساء من هذا البحث.