سور القرآن وفضائل بلاد الثغور ، واعترفوا ببعض ما وضعوا ، ومع ذلك انتشرت في كتب التفسير وغيرها ، ونرى أيضا أنّ الأحاديث التي وضعت تأييدا للخليفة عمر في نهيه عن المتعتين من هذا القبيل وخاصّة ما روي في نهي الرسول عن متعة النساء نراها وضعت بعد عهد ابن الزبير وقبل عصر التدوين أي في أخريات القرن الأوّل وأوائل القرن الثاني وتسابق في تبرير فعل الخليفة الثاني ، الصلحاء :
فوضع أحدهم حديثا في أنّ الرسول نهى عن متعة النساء في غزوة خيبر وروى آخر أنّه أباحها وحرّمها في عمرة القضية ، وروى ثالث أنّ ذلك كان في فتح مكّة ، ورابع رواها في أوطاس ، وخامس في تبوك ، وسادس في حجة الوداع (١). وهكذا ، كل واحد أراد أن يقول أنّ الإباحة والتحريم وقعا معا في مكان وزمان خاص وعلى عهد رسول الله (ص) ولهذا حرّمها الخليفة. وهكذا تناقضت الأحاديث ، فبحث العلماء عن مخرج لهذا التناقض فلم يروا عذرا إلّا في ما فيه انتقاص للشرع الإسلامي فتقوّلوه وتمسّكوا به وإن كان فيه افتراء على الشرع ، فقالوا : إن هذا الحكم أبيح مرّتين ، ونسخ مرّتين وقالوا أبيح ونسخ أكثر من ذلك إلى سبع مرّات ، لم يكترثوا لتوهين الإسلام ما دام في ذلك المحافظة على القول بصحّة الأحاديث التي التزموا بصحّتها ، وقد انتفع علماء مدرسة الخلفاء بتلكم الأحاديث في تأييد تحريم نكاح المتعة ، مثل ما وقع ليحيى بن أكثم (٢) والمأمون في أوائل القرن الثالث الهجري كما رواه ابن خلكان عن محمّد بن منصور.
قال : كنا مع المأمون في طريق الشام. فأمر فنودي بتحليل المتعة ، فقال يحيى ابن أكثم لي ولأبي العيناء : بكّرا غدا إليه ، فإن رأيتما للقول وجها فقولا ، وإلّا فاسكتا إلى أن أدخل ، قال : فدخلنا عليه وهو يستاك ويقول وهو مغتاظ : متعتان كانتا على عهد رسول الله (ص) وعلى عهد أبي بكر (رض) وأنا أنهى عنهما! ومن أنت يا جعل
__________________
(١) هكذا سلسلها ابن حجر في فتح الباري ١١ / ٧٣.
(٢) أبو محمد يحيى بن أكثم المروزي من ولد أكثم بن صيفي التميمي الأسيدي ، ولاه المتوكل على قضاء القضاة وتدبير أهل مملكته ، كان يرمى بعمل قوم لوط.
وقال فيه الشاعر :
متى تصلح الدنيا ويصلح أهلها |
|
وقاضي قضاة المسلمين يلوط |
وقال غيره :
قاض يرى الحد في الزناء ولا |
|
يرى على من يلوط من بأس |
مات بالربذة عند رجوعه من الحج الى العراق سنة ١٤٢ ه. وفيات الأعيان ٥ / ١٩٧ ـ ٢١٣.