إلى فراغ مكّة من المعتمرين بقيّة السنة؟!
وفي متعة النساء ، هل كان السفر خاصّا بعصر الرسول حيث تمتعوا في السفر بإذن الرسول؟ وما ذا يفعل المسافر الذي يطول سفره شهورا وسنين في سائر العصور؟ وكذلك الإنسان الّذي لا يستطيع الزواج الدائم في وطنه ، هل يتنكر لغريزته ، أم يخون المجتمع سرّا أو يسمح المجتمع له بالزنا علنا كما هو الحال في المجتمعات المعاصرة؟ أمّا ما ذكره الخليفة : أن ينكح بقبضة ويفارق عن ثلاث بطلاق ، فإذا كان ذلك باتّفاق ونية مسبقة من الزوجين فهو نكاح المتعة بعينه ، وإذا يخفى الزوج نيّة الفراق في نفسه فهو غدر وخيانة للمرأة ولا يقرهما الإسلام.
وهذه المحاورة من الخليفة وسائر أحاديثه في شأن المتعة وكذلك أحاديث الصحابة عن رسول الله وأخبارهم عن تمتعهم زمن النبي وأبي بكر وخلافة عمر ، كل ذلك يثبت إن الروايات التي رويت عن رسول الله في تحريم المتعة قد وضعت بعد عصر عمر وإلّا لاستشهد بها هو ولما قال الصحابة أنّ التحريم صدر في آخر خلافته ومن ثمّ قال عليّ وابن عباس لو لا نهي عمر ما زنى إلّا شقيّ.
وقد بقي على تحليلها بعد رسول الله من الصحابة على وابن مسعود ، وابن عباس وأسماء ، وأبو سعيد الخدري وجابر ، وسلمة ومعبد ابنا أميّة ، ومعاوية بن أبي سفيان وعمران بن الحصين.
ومن التابعين : طاوس وعطاء ، وسعيد بن جبير وسائر فقهاء مكّة وأهل اليمن كلهم.
أمّا من تابع عمر في تحريمها فقد اعتمد قسم منهم على الروايات الموضوعة على رسول الله ، وقال آخرون : إن الخليفة اجتهد في ذلك ، واتّخذوا اجتهاد الخليفة دينا.
* * *
أوردنا في ما سبق أمثلة من استناد الخلفاء إلى آرائهم في ما أفتوه في الأحكام الإسلامية ودانوا بها ووجدنا أتباعهم يسمّون ذلك منهم بالاجتهاد ، ومن تتبع سيرتهم وفقههم وجد ذلك طابعهم المميز لمدرستهم عن مدرسة أئمة أهل البيت فإن أئمة أهل البيت خالفوهم في ذلك ، كما سنراه في البحوث الآتية ، إن شاء الله تعالى.
وندرس في ما يأتي ما استنبطوه من عمل الصحابة ، وكيف أصبح الاجتهاد بعد ذلك من مصادر الشريعة الإسلامية.