ـ ٧ ـ
الاجتهاد في القرن الثاني فما بعد
واستنباط الأحكام من عمل الصحابة
الاجتهاد : حقيقته ، تطوره ، أدلة صحة العمل به
حقيقة الاجتهاد د ـ كما أشرنا إليها في ما سبق ـ هي العمل بالرأي ، ومنشؤه عمل الصحابة والخلفاء بآرائهم ، واقتداء أتباعهم بهم في ذلك. وفي ما يلي بيانه :
قال الدواليبي (١) : كانت ترد على الصحابة أقضية لا يرون فيها نصّا من كتاب أو سنّة ، وإذ ذاك كانوا يلجئون إلى الاجتهاد ، وكانوا يعبّرون عنه بالرأي أيضا ، كما كان يفعل أبو بكر (رض) ... وكذلك كان عمر يفعل ...
ثمّ استشهد بما روي أنّ عمر كتب به إلى شريح وإلى أبي موسى ، وقال : ولم يكن الصحابة في اجتهادهم يعتمدون على قواعد مقرّرة ، أو موازين معروفة ، وإنّما كان معتمدهم ما لمسوا من روح التشريع ... ثم قال :
وهذه المعرفة لم تتوفّر لمن جاء بعدهم بنفس السهولة ... ولذلك لم يلبث الاجتهاد بعدهم أن تطوّر تطوّرا محسوسا ... ومتأثرا إلى حدّ كبير بمحيط المجتهد ، وكان ذلك مدعاة إلى اشتداد النزاع العلمي في مادّة الأحكام كلّما اشتدّ البعد بين المجتهدين وعصر التنزيل ، وهذا ما حمل رجال الاجتهاد على وضع قواعدهم في الاجتهاد ، وسمّوه بعلم أصول الفقه ، وأصبح الاجتهاد في دوره الثاني هذا متميّزا عن دوره الأوّل بما وضع له من قواعد وقوانين جعلت أصوله معلومة بعد أن كان الذوق السليم لأسرار
__________________
(١) في كتاب : المدخل إلى علم أصول الفقه ، تأليف محمّد معروف الدواليبي ، أستاذ علم أصول الفقه والقانون الروماني في كلية الحقوق ، دكتور في الحقوق من جامعة پاريس ، حامل شهادة الدراسات العليا في الحقوق الرومانية ، مجاز في العلوم الإسلامية من الكلية الشرعية بحلب. ط. دار العلم للملايين / بيروت لبنان ، سنة ١٣٨٥ ه ١٩٦٥ م.