حكم فاجتهد ثمّ أخطأ فله أجر» (١).
ج ـ كتاب عمر إلى أبي موسى الأشعري :
ورد فيه : الفهم ، الفهم في ما يتلجلج في صدرك ممّا ليس في الكتاب والسنّة ثم قس الأمور بعضها ببعض .. (٢)
هذا أهم أدلّتهم في إثبات صحّة الاجتهاد ، وما عداها لا حاجة إلى إيرادها ومناقشتها لضعف أسنادها ووضوح عدم دلالتها على مرادهم ، أمّا الحديثان وكتاب عمر ، فقد ناقش ابن حزم حديث معاذ وقال :
وأمّا خبر معاذ فإنه لا يحلّ الاحتجاج به لسقوطه ، وذلك انّه لم يرو قطّ إلّا من طريق الحارث بن عمرو وهو مجهول ، لا يدري أحد من هو ، وقال البخاري في تاريخه الأوسط : «ولا يعرف الحارث إلّا بهذا ـ الحديث ـ ولا يصحّ». ثم إنّ الحارث روى عن رجال من أهل حمص لا يدرى من هم! ثمّ لم يعرف قطّ في عصر الصحابة ولا ذكره أحد منهم. ثمّ لم يعرفه أحد قطّ في عصر التابعين ، حتّى أخذه أبو عون وحده عمّن لا يدرى من هو ، فلمّا وجده أصحاب الرأي عند شعبة طاروا به كلّ مطار ، وأشاعوه في الدنيا وهو باطل لا أصل له (٣).
وقال : وبرهان وضع هذا الخبر وبطلانه هو أنّ من الباطل الممتنع أن يقول رسول الله (ص) فإن لم تجد في كتاب الله ولا في سنّة رسول الله وهو يسمع قول ربّه تعالى (اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) وقوله تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) وقوله تعالى (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) مع الثابت عنه (ع) من تحريم القول بالرأي في الدين ...
ثمّ لو صحّ لكان معنى قوله «أجتهد رأيي» أستنفد جهدي حتّى أرى الحقّ في القرآن والسنّة ولا أزال اطلب ذلك أبدا.
وأيضا ، لو صحّ لكان لا يخلو من احد وجهين : إمّا أن يكون لمعاذ وحده فيلزمهم
__________________
(١) صحيح البخاري ٤ / ١٧٨ باب أجر الحاكم من كتاب الأحكام ، ومسلم بكتاب الأقضية ، باب بيان أمر الحاكم ص ١٢٤٢ ح : ١٥ ، وابن ماجة باب الحاكم يجتهد فيصيب ح ٢٣١٤ من كتاب الأحكام ، ومسند أحمد. ٢ / ١٨٧ و ٤ / ١٩٨ و ٢٠٤ و ٢٠٥ منه : «إذا أصبت فلك عشر حسنات».
(٢) الكتاب المنسوب إلى عمر وشرحه في الأحكام لابن حزم ٥ / ١٠٠٣ ، وراجع أعلام الموقعين ١ / ٨٥ ـ ٨٦.
(٣) الأحكام لابن حزم ٥ / ٧٧٣ ـ ٧٧٥ ط. مطبعة العاصمة بالقاهرة.