أن لا يتبعوا رأي أحد الّا رأي معاذ ، وهم لا يقولون بهذا.
أو يكون لمعاذ وغيره ، فإن كان ذلك فكلّ من اجتهد رأيه فقد فعل ما أمر به ، فهم كلّهم محقّون ليس أحد منهم أولى بالصواب من آخر ، فصار الحقّ على هذا في المتضادّات ، وهذا خلاف قولهم ، وخلاف المعقول ، بل هذا المحال الظاهر ، وليس لأحد أن ينصر قوله بحجّة لأنّ مخالفه أيضا قد اجتهد رأيه ، وليس في الحديث الّذي احتجّوا به أكثر من اجتهاد الرأي ولا مزيد ، فلا يجوز لهم أن يزيدوا فيه ترجيحا لم يذكر في الحديث ، وأيضا فليس أحد أولى من غيره ، ومن المحال البيّن أن يكون ما ظنّه الجهّال في حديث معاذ لو صحّ من أن يكون (ع) يبيح لمعاذ أن يحلّل برأيه ويحرّم برأيه ويوجب الفرائض برأيه ويسقطها ، برأيه وهذا ما لا يظنه مسلم ، وليس في الشريعة شيء غير ما ذكرنا البتة (١). انتهى.
وقال ابن حزم عن حديث عمرو بن العاص : وأمّا حديث عمرو بن العاص فأعظم حجة عليهم لأنّ فيه انّ الحاكم المجتهد يخطئ ويصيب ، فإن كان ذلك كذلك فحرام الحكم في الدين بالخطإ ، وما أحلّ الله تعالى قطّ امضاء الخطأ فبطل تعلّقهم (٢).
وقال عن كتاب عمر بعد إيراده بسندين : وهذا لا يصحّ ، لأنّ السند الأوّل فيه عبد الملك بن الوليد بن معدان ، وهو كوفي متروك الحديث ساقط بلا خلاف ، وأبوه مجهول.
وأما السند الثاني : فمن بين الكرجي إلى سفيان مجهول وهو أيضا منقطع فبطل القول به جملة (٣).
مناقشتنا في صحّة ما قالوا حول الاجتهاد :
أوّلا ـ مدلول الاجتهاد.
وثانيا ـ مفاهيم الأدلة الثلاثة.
أمّا الاجتهاد فقد سبق إيراد دليلنا على أنّ :
مدلول الاجتهاد في القرن الأوّل ، كان معناه اللغوي ، وهو بذل الجهد في أيّ أمر
__________________
(١) الاحكام ٥ / ٧٧٥.
(٢) الاحكام لابن حزم ٥ / ٧٧١.
(٣) الاحكام ٥ / ١٠٠٣ ، وراجع اعلام الموقعين ١ / ٨٥ ـ ٨٦ ، وقال عن السند ان جعفرا احد رواة السند لم يسنده.