الآتية والغابر : الباقي والماضي ، من الأضداد. «فأمّا الماضي فمفسّر» أي فسّره لنا رسول الله (ص) ، «وأمّا الغابر» أي العلوم المتعلقة بالأمور الآتية المحتومة ؛ «فمزبور» أي مكتوب لنا في الجامعة ومصحف فاطمة وغيرها ، والشرائع والأحكام داخل فيها أو في أحدهما ، «وأمّا الحادث» وهو ما يتجدّد من الله حتمه من الأمور أو العلوم والمعارف الربانية أو تفصيل المجملات ، «فقذف في القلوب» : بالإلهام من الله تعالى بلا توسّط ملك.
«أو نقر في الأسماع» بتحديث الملك إيّاهم ، وكونه من أفضل علومهم لاختصاصه بهم ولحصوله بلا واسطة بشر أو لعدم اختصاص العلمين الأوّلين بهم إذ قد اطّلع على بعضهما بعض خواصّ الصحابة مثل سلمان وأبي ذرّ بأخبار النبيّ (ص) وقد رأى بعض أصحابهم (ص) مواضع من تلك الكتب ، ولمّا كان هذا القول منه (ع) يوهم ادّعاء النبوّة فإنّ الأخبار عند الناس مخصوص بالأنبياء فقد نفى (ع) ذلك الوهم بقوله : «ولا نبيّ بعد نبيّنا» وذلك لأنّ الفرق بين النبيّ والمحدّث إنّما هو برؤية الملك عند إلقاء الحكم للنبيّ وعدمها بالأسماع من الملك للمحدّث. انتهى.
وفي الكافي عن الإمام محمّد الباقر (ع) قال : إنّ أوصياء محمّد عليه وعليهمالسلام محدّثون.
وعن أبي الحسن موسى ، قال : الأئمّة علماء صادقون مفهّمون محدّثون.
وعن محمّد بن مسلم ، قال : ذكر المحدّث عند أبي عبد الله (ع) فقال : إنّه يسمع الصوت ولا يرى الشخص فقلت : له : جعلت فداك ، كيف يعلم أنّه كلام الملك؟ قال : إنّه يعطى السكينة والوقار حتّى يعلم أنّه كلام ملك (١).
نجد في كتب الحديث بمدرسة الخلفاء أحاديث تثبت نظير هذه الصفات لبعض الخلفاء مثل ما روت أمّ المؤمنين عائشة في حقّ الخليفة عمر ، قالت : قال رسول الله (ص): «قد كان في الأمم قبلكم محدّثون فإن يكن في أمّتي منهم أحد فإنّ عمر بن الخطّاب منهم».
وروى أبو هريرة أيضا نظير هذا الحديث في حقّ الخليفة عمر (٢) ومهما ورد في
__________________
(١) الأحاديث الثلاثة : في أصول الكافي ١ / ٢٧٠ ـ ٢٧١ باب : إن الأئمة (ع) محدثون مفهمون.
(٢) رواية عائشة في صحيح مسلم ، باب فضائل الصحابة ح ٢ ، ومسند أحمد ٦ / ٥٥ ، ورواية أبي هريرة في صحيح البخاري ٢ / ١٧٣ و ١٩٦ ، ومسند الطيالسي ح ٢٣٤٨.