الأئمة من ولده مع معاصريهم وخاصّة الامامين الباقر والصادق أنّ ما كان لدى الأئمة من تفسير القرآن وأحاديث كانت تخالف ما كان منها لدى أصحاب مدرسة الخلفاء ومردّ ذلك وسببه أن الخلفاء (الراشدين) الثلاثة لمّا كانوا قد منعوا الصحابة من نشر الحديث عن رسول الله وروّجوا للقصّاصين أمثال تميم الداري راهب النصارى ، وكعب أحبار اليهود (١) فنشر هؤلاء الاسرائيليات وأخذ منهم بعض الصحابة (٢) فانتشر لدى المسلمين زيف كثير ، وفي مقابل هؤلاء جاهد الإمام علي وشيعته من الصحابة أمثال سلمان وأبي ذرّ وعمّار والمقداد في نشر أحاديث الرسول وسيرته فظهر الخلاف بين المدرستين في هذا الأمر ، وتحمّل بسببه بعضهم ما تحمّل من التشريد والتعذيب (٣) وبالإضافة إلى هذا كان الخلفاء قبله قد غيّروا وبدّلوا من سنّة الرسول ما يخالف سياستهم ممّا سمّاه اتباعهم من بعد باجتهاد الخلفاء أمثال ما شرحناه من موارد اجتهاد الخلفاء في ما سبق ، فلمّا جاء الإمام إلى الحكم بعدهم حاول أن يعيد الأمّة الإسلامية إلى سنّة الرسول ، ويغيّر سنن الخلفاء الراشدين الثلاثة ، فلم ينجح ، كما شرح ذلك لخاصّته في حديثه الآتي :
وإنّما بدء وقوع الفتن من أهواء تتّبع وأحكام تبتدع ، يخالف فيها حكم الله يتولّى فيها رجال رجالا ، ألا إنّ الحقّ لو خلص لم يكن اختلاف ولو أنّ الباطل خلص لم يخف على ذي حجى ، لكنّه يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث (٤) فيمزجان فيجلّلان (٥) معا ، فهنا لك يستولي الشيطان على أوليائه ونجا الّذين سبقت لهم من الله الحسنى (٦) ، إنّي سمعت رسول الله (ص) يقول : كيف أنتم إذا ألبستكم فتنة يربو فيها الصغير (٧) ويهرم فيها الكبير ، يجري الناس عليها ويتّخذونها سنّة فإذا غيّر منها شيء قيل : قد غيّرت السنّة وقد أتى الناس منكرا ، ثمّ تشتدّ البليّة وتسبي الذريّة ، وتدقّهم الفتنة كما
__________________
(١) نقصد براهب النصارى وكعب أحبار اليهود ما كانا عليه قبل أن يظهرا الإسلام.
(٢) لقد شرحنا ذلك في كتابنا : «من تاريخ الحديث» وأشرنا إليه في باب (أحاديث الرسول).
(٣) اشرنا الى ذلك في ما سبق.
(٤) الضغث ـ بالكسر ـ قبضة من حشيش مخالطة الرطب باليابس.
(٥) جللت الشيء ؛ إذا غطيته. وفي النسخ [فيجتمعان] وفي بعضها [فيجلبان].
(٦) الى هنا أوردها الرضي في نهج البلاغة ورقم الخطبة في طبعة ٤٩ واخرى ٥٠.
(٧) أي يكبر وهو كناية عن امتدادها.