تدقّ النار الحطب ، وكما تدقّ الرحا بثفالها (١) ، ويتفقّهون لغير الله ، ويتعلّمون لغير العمل ، ويطلبون الدّنيا بأعمال الآخرة. ثمّ أقبل بوجهه وحوله ناس من أهل بيته وخاصّته وشيعته فقال : قد عملت الولاة قبلي أعمالا خالفوا فيها رسول الله (ص) متعمّدين لخلافه ، ناقضين لعهده مغيّرين لسنته ، ولو حملت النّاس على تركها وحوّلتها إلى مواضعها وإلى ما كانت عليه في عهد رسول الله (ص) لتفرّق عنّي جندي حتّى أبقى وحدي أو قليل من شيعتي الّذين عرفوا فضلي وفرض إمامتي من كتاب الله عزوجل وسنة رسول الله (ص) ، أرأيتم لو أمرت بمقام إبراهيم (ع) (٢) ، فرددته إلى الموضع الّذي وضعه فيه رسول الله (ص) ، ورددت فدك إلى ورثة فاطمة (ع) (٣) ورددت صاع رسول الله (ص) كما كان ، (٤) وأمضيت قطائع أقطعها رسول الله (ص) لأقوام لم تمض لهم ولم تنفذ ، ورددت دار جعفر إلى ورثته وهدمتها من المسجد (٥) ، ورددت قضايا من الجور قضي بها (٦) ، ونزعت نساء تحت رجال بغير حقّ فرددتهنّ إلى أزواجهن (٧) ، واستقبلت بهنّ الحكم في الفروج والأحكام ، وسبيت ذراري بني تغلب (٨) ، ورددت ما قسم من أرض خيبر ، ومحوت
__________________
(١) بالمثلثة والفاء في النهاية : في حديث علي عليهالسلام : «وتدقهم الفتن دق الرحا بثفالها» الثفال ـ بالكسر ـ : جلدة تبسط تحت رحا اليد ليقع عليها الدقيق ، ويسمى الحجر الأسفل ، ثفالا بها والمعنى أنها تدقهم دقّ الرحا للحب إذا كانت مثفلة ولا تثفل إلا عند الطحن.
(٢) أخّر عمر مقام إبراهيم إلى موضعه اليوم وكان ملصقا بالبيت ، طبقات ابن سعد ٣ / ٢٨٤ ط. بيروت ، وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص ١٣٧ ، وباب موافقات عمر في فتح الباري ٩ / ٢٣٦ وقيل إنّ عمر أرجعه إلى مكانه في العصر الجاهلي.
(٣) قصة فدك سبق شرحها.
(٤) الصاع في النهاية هو مكيال يسع أربعة أمداد ، المد عند الشافعي وفقهاء الحجاز رطل وثلث الرطل بالعراقي وعند أبي حنيفة المد رطلان وبه أخذ فقهاء العراق. فيكون الصاع خمسة أرطال وثلثا أو ثمانية أرطال ، وعند الشيعة على ما في كتاب الخلاف في حديث زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام قال : كان الرسول (ص) يتوضأ بمد ويغتسل بصاع ، والمد رطل ونصف والصاع ستة أرطال يعني رطل المدينة اه. وهو تسعة بالعراقي.
(٥) وسع الخليفة عمر مسجد الرسول كما في تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ١٣٧ وأدخل فيه بعض الدور.
(٦) ذلك كقضاء عمر بالعول والتعصيب في الارث ، وكقضائه بقطع السارق من معصم الكف ومفصل ساق الرجل خلافا لما أمر به النبي (ص) من ترك الكف والعقب ، وإنفاذه في الطلاق الثلاث المرسلة إلى غير ذلك من قضاياه وقضايا الآخرين. (الوافي) وسمى بعضها أوليات عمر.
(٧) كمن طلقت بغير شهود وعلى غير طهر كما أبدعوه ونفذوه وغير ذلك (الوافي).
(٨) لأن عمر رفع عنهم الجزية فهم ليسوا بأهل ذمة فيحل سبي ذراريهم كما روي عن الرضا (ع) أنه قال : إن بني تغلب من نصارى العرب انفوا واستنكفوا من قبول الجزية وسالوا عمر أن يعفيهم عن الجزية ويؤدوا الزكاة مضاعفة فخشي أن يلحقوا بالروم فصالحهم على أن صرف ذلك عن رءوسهم وضاعف عليهم الصدقة ـ