هكذا اطّردت اجتهادات الخلفاء وكبراء مدرستهم في مقابل أحكام الكتاب والسنّة وكثر تبديلهم الأحكام الإسلامية وسمّوها بالتأويل تارة ، وبالأوّليات أخرى ، ولكن المشهور تسميتها بالاجتهاد. وزاد في الطين بلّة ما روي من أحاديث تؤيّد الخلفاء في أعمالهم وأقوالهم كما يلي بيانه :
رواية الاحاديث تبريرا لفعل الخلفاء
ضربنا في ما سبق أمثلة من اجتهادات الخلفاء في مقابل نصوص الكتاب والسنّة وتشريعهم أحكاما جديدة في الإسلام.
والأعجب من ذلك تبرع بعض المحدّثين والرواة في مدرسة الخلفاء برواية أحاديث عن لسان رسول الله (ص) أنّه كان قد أمر بتلك الاجتهادات هذا مضافا إلى ما فعله معاوية في مجال وضع الحديث تأييدا لسياسة الخلفاء كما أوضحنا كل ذلك في محلّه من هذا الكتاب وغيره (١).
ومن أمثلة ما رووا عن رسول الله في تأييد الخلفاء الروايات التالية :
رووا عن رسول الله (ص) أنّه نهى عن الخروج على الخلفاء ، وفرض على المسلمين طاعتهم على كلّ حال ، مثل ما رواه مسلم وابن كثير وغيرهما عن عبد الله بن عمر ، واللفظ لابن كثير ، قال : لما خلع الناس يزيد بن معاوية جمع ابن عمر بنيه وأهله ، ثمّ تشهّد ، ثمّ قال : أمّا بعد فإنّا بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله ، وقد سمعت رسول الله يقول : «من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجّة له ، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» فلا يخلعنّ أحد منكم يزيد ولا يسرفنّ أحد منكم في هذا الأمر ، فيكون الفيصل بيني وبينه (٢).
وروى مسلم عن حذيفة أنّه قال : قال رسول الله (ص) : «يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنّون بسنّتي وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس» قال : قلت : كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال : «تسمع
__________________
(١) ذكرنا قسما منها في باب «مع معاوية» من كتاب أحاديث عائشة وقسما منها في محاضراتنا.
(٢) رواه ابن كثير في تاريخه ٧ / ٢٣٢ ، ورواه مسلم وغيره كما نقلناه عنهم قبل هذا في باب بحث الإمامة لدى المدرستين. ليست طاعة يزيد وبيعته مصداقين لقول الرسول ، وانما مصداقه البيعة الصحيحة وطاعة الإمام بالحق مثل طاعة الرسول وبيعته.