رأينا في ما سبق اجتهادات للصحابة والتابعين والخلفاء منهم خاصّة في أحكام إسلامية عملوا فيها برأيهم واجتهادهم في مقابل نصوص من كتاب الله وسنة رسوله ، لما اعتقدوا فيها مصلحة لسياسة الحكم أو غير ذلك ، ورأينا أن أتباع مدرسة الخلفاء اتخذوا تلك الاجتهادات مصدرا للتشريع في مقابل نصوص من كتاب الله وسنة رسوله ، ومن ثمّ اتخذ بعض الفقهاء بمدرسة الخلفاء العمل بالرأي كالقياس والاستحسان من موارد الاجتهاد ، وأصبح الاجتهاد بمدرسة الخلفاء في عداد الكتاب والسنة من مصادر التشريع الإسلامي إلى يومنا الحاضر ، وهذا من موارد الخلاف بين أتباع مدرسة أهل البيت الذين لم يعملوا بالرأي والاجتهاد واقتصروا في العمل بالأحكام بما جاء في كتاب الله وسنة الرسول فقد كان الأئمة من أهل البيت يعملون بما أخذوا من كتاب الله وتوارثوه من سنة الرسول المكتوبة لديهم ، وعلموا الفقهاء بمدرستهم ما توارثوه من سنة الرسول ، ونهوا عن العمل بالرأي والقياس والاستحسان والمسمّى بالاجتهاد. كما سيأتي مزيد بيانه في البحوث الآتية إن شاء الله تعالى.
وهذا (أيّ : إمّا العمل بكتاب الله وسنّة رسوله وترك اجتهادات الخلفاء في بعض الأحكام ، وإمّا العمل باجتهادات الخلفاء فيها وترك حكم الكتاب والسنّة) ممّا أدّى إلى الاختلاف بين المسلمين ، فإنّ الخليفة عمر ـ مثلا ـ لمّا اجتهد ونهى عن عمرة التمتع في مقابل كتاب الله وسنة رسوله اللّذين أمرا بها ، اختلف المسلمون من بعده ، فمنهم من عمل بكتاب الله وسنة رسوله وأتى بعمرة التمتع في الحجّ مثل الحنابلة