هكذا خنقت مدرسة الخلفاء أنفاس الصحابة والتابعين وقضت على من خالف سياستهم ، وفي مقابل ذلك فتحت الباب لآخرين أن يتحدثوا بين المسلمين كما يشاءون وكما نشير إليه في ما يأتي :
فتح الروافد الاسرائيلية
انّ مدرسة الخلفاء حين أغلقت على المسلمين باب التحديث عن رسول الله (ص) كما أشرنا إليه في ما مضى ، فتحت لهم باب الأحاديث الاسرائيلية (١) على مصراعيه. وذلك بالسماح لأمثال تميم الداري الراهب النصراني (٢) ، وكعب أحبار اليهود (٣) وكانا قد أظهرا الإسلام بعد انتشاره ، وتقرّبا إلى الخلفاء بعد الرسول (ص)
__________________
ـ سلوني قبل أن أقتل ، فلما سأله الناس وحدثهم أرسل ابن زياد من ألجمه بلجام ، وهو أول من ألجم في الاسلام.
خبره في رجال الكشي ص ٨١ ـ ٨٤.
(١) اي : أحاديث بني اسرائيل المأخوذة من التوراة.
(٢) ابو رقية تميم بن أوس الداري ، كان نصرانيا من علماء أهل الكتابين وراهب أهل عصره وعابد فلسطين. قدم المدينة بعد غزوة تبوك وأظهر الإسلام بعد سرقة ثبتت عليه ليدفع بإسلامه ما أدين به ، وذلك أنّه خرج مع رجل من بني سهم وعدي بن بداء في تجارة إلى الشام ، فمات السهمي وأوصى أن يبلغا متاعه إلى أهله وكان قد دس فيه وصيته وأخذا من متاعه ما أعجبهما وكان في ما أخذا إناء من فضة فيه ثلاثمائة مثقال منقوشا مموها بالذهب. فلما دفعا بقية المال إلى ورثته فقدوا بعض متاعه فنظروا إلى الوصية فوجدوا المال فيه تاما لم يبع منه ولم يهب ، فرفعوا أمرهما إلى النبيّ فحلفهما النبيّ عند المنبر بعد صلاة العصر ، فحلفا أنهما لم يخونا فخلى سبيلهما. ثمّ وجدا الآنية عند تميم فرفعوهما إلى النبيّ ثانية فنزلت الآيات : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ») فحلف السهميان أن الانية من متاع صاحبنا فأخذوها وبقية المتاع من تميم وصاحبه ثم اعترف تميم بالخيانة فقال له النبي : «ويحك يا تميم اسلم يتجاوز الله عنك» فأسلم.
عاش هذا في المدينة الى عصر عمر وعلى عهده كان يعظمه عمر ويقول فيه خير أهل المدينة وألحقه بأهل بدر في العطاء ، ولما سنّ قيام شهر رمضان في العام الرابع عشر أمره وأبيّا أن يصليا بالناس ، وبعد قتل عثمان انتقل إلى الشام وعاش في كنف معاوية وتوفي في سنة أربعين للهجرة قد أوردنا قصة تميم وترجمته بإيجاز في كتاب (من تاريخ الحديث) وهناك تفصيل قضاياه ومصادره.
(٣) أبو اسحاق كعب بن ماتع ، كان من كبار علماء أهل الكتاب ومن أحبار اليهود باليمن. قدم المدينة ، وأظهر الإسلام على عهد عمر وبقي بها بطلب منه. وارتحل منها إلى الشام عند ما ظهرت أمارات الثورة على عثمان. وعاش في كنف معاوية مرعيّ الجانب. ومات بحمص سنة ٣٤ ه بعد أن بلغ أربعا ومائة سنة. راجع ترجمته بكتابنا من تاريخ الحديث.
وإن كعب أحبار اليهود هذا والمعلوم وجوده هو الذي أثر على الفكر الإسلامي في بعض جوانبه وليس عبد الله بن سبأ المختلق هو الذي أثر على الصحابة والتابعين كما زعموا. راجع كتاب «عبد الله بن سبأ» للمؤلف.