ففسحت مدرسة الخلفاء لهما ولأمثالهما المجال أن يبثّوا الأحاديث الإسرائيلية بين المسلمين كما يشاءون ، وقد خصّص الخليفة عمر للأوّل ساعة في كل أسبوع يتحدّث فيها قبل صلاة الجمعة بمسجد الرسول ، وجعلها عثمان على عهده ساعتين في يومين.
أمّا كعب أحبار اليهود فكان الخلفاء عمر وعثمان (١) ومعاوية يسألونه عن مبدأ الخلق وقضايا المعاد ، وتفسير القرآن ، إلى غير ذلك.
وروى عنهما صحابة أمثال أنس بن مالك وأبي هريرة (٢) وعبد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الله بن الزبير ومعاوية ونظرائهم من الصحابة والتابعين.
ولم يقتصر نقل الإسرائيليات على هذين العالمين من علماء أهل الكتاب وتلاميذهما فحسب ، بل قام به ثلة معهما ، ومن بعدهما كذلك ، وامتدّ حتّى عهد الخلافة العباسية ـ ما عدا فترة حكم الإمام عليّ الّذي طردهم من مساجد المسلمين ـ وسمّي هؤلاء بالقصاصين. وأثّروا على الفكر الإسلامي بمدرسة الخلفاء أثرا عظيما ، ومن ثمّ دخلت الثقافة الإسرائيلية في الإسلام وصبغته في جانب منه بلونها ، ومن هنا. انتشر بمدرسة الخلفاء الاعتقاد بأنّ الله جسم ، وأنّ الأنبياء تصدر منهم المعاصى ، والنظرة إلى المبدأ والمعاد إلى غيرها من أفكار إسرائيلية ، وعظم نفوذ هؤلاء على العهد الأموي وخاصّة في سلطان معاوية ، حيث اتّخذ بطانة من النصارى أمثال كاتبه سرجون (٣) ، وطبيبه ابن
__________________
(١) عثمان بن عفان بن أبي العاص القرشي الأموي ، وأمّه أروى بنت كريز الأموي. وأمّ أروى البيضاء ، بنت عبد المطلب عمّة النبي ، وتزوج من رقية بنت رسول الله وهاجرا إلى الحبشة ثم المدينة. وبعد وفاتها ، تزوج من أختها أمّ كلثوم التي توفيت على أثر التعذيب ولم يعقب منهما. وبايعه عبد الرحمن بن عوف لما أبى عليّ من شرط العمل بسيرة الشيخين غرّة محرم ٢٤ ه ، وفي خلافته ، أساء بنو أميّة ـ ولاته على الولايات ـ السلوك مع المسلمين فثاروا عليه بقيادة قريش في ذي الحجة سنة ٣٦ ه ومنعوا دفنه في البقيع فدفن في حش كوكب. روى عنه أصحاب الصحاح ١٤٦ حديثا. جوامع السيرة ص ٢٧٧. و «أحاديث أم المؤمنين عائشة» فصل (في عصر الصهرين).
(٢) أبو هريرة الدوسي اختلفوا في اسمه ونسبه رووا عنه ٥٣٧٤ حديثا ، وتوفي سنة ٥٧ أو ٥٨ راجع جوامع السيرة ٢٧٦ ، وكتاب (شيخ المضيرة) لعالم مصر الراحل الشيخ محمود أبو رية.
(٣) سرجون بن منصور الرومي ، في ذكر اخبار معاوية من تاريخ الطبري ج ٢ / ٢٠٥ ، وابن الأثير ٤ / ٧. وكان كاتبه وصاحب سره. وكتب بعده ليزيد ، وفي الاغاني ١٦ / ٦٨ كان يزيد ينادم على شرب الخمر سرجون النصرانى مولاه وهو الذي أشار على يزيد أن يولي على الكوفة ابن زياد لما بلغه خبر مسلم بن عقيل بها. الطبري ج ٢ / ٢٢٨ و ٢٣٩ ، وابن الأثير ج ٤ / ١٧ ، وكتب ابنه لعبد الملك. التنبيه والأشراف للمسعودى ص ٢٦١ ، وراجع الخطط للمقريزي ج ١ / ١٥٩.