أثال (١) ، وشاعره الأخطل (٢) من نصارى عصره ، ومن المعلوم أنّ هؤلاء عند ما شكلوا البلاط الأموي لم يتركوا أفكارهم المسيحيّة وأعرافهم خلفهم ، بل حملوها معهم إلى بلاط الخلافة الأمويّة. أضف إلى هذا أنّ عاصمة معاوية الشام كانت قبل ذلك عاصمة لنصارى الروم البيزنطيين ، وكانت ذات حضارة عريقة. هذا ما كان من أمر المحيط الّذي انتقل إليه معاوية.
أمّا معاوية نفسه ، فكان قد نشأ في وسط أغلظ الجاهليات القبلية الّتي حاربت الإسلام وأعرافه حتى أخضعها الإسلام بقوة السيف. نشأ فيها حتّى صلب عوده ، وانتقل على كبر سنّه من مكة بعد فتحها إلى المدينة ، ومن الجاهلية إلى الإسلام (٣) ، ولم
__________________
(١) ابن أثال ، لما أراد معاوية أن يبايع لابنه يزيد بولاية العهد من بعده ، رأى ميل أهل الشام إلى عبد الرحمن بن خالد بن الوليد. فأمر طبيبه ابن أثال أن يسمّه ، ووعده أن يضع عنه الخراج لمدة سنة ويوليه على خراج حمص ، ففعل ، وبرّ معاوية بوعده ، فقتله خالد بن عبد الرحمن أو ابن أخيه المهاجر. الأغاني ١٥ / ١٢ ـ ١٣ ، وتاريخ الطبري ٢ / ٨٢ ـ ٨٣ ، وابن الاثير ٣ / ٣٧٨. وقال اليعقوبي في ج ٢ / ٢٢٣ من تاريخه : استعمل معاوية ابن أثال النصراني على خراج حمص ولم يستعمل النصارى أحد من الخلفاء قبله ... الحديث.
(٢) أبو مالك غياث بن غوث الأخطل من نصارى تغلب. ولد في أوائل خلافة عمر ، وتوفي سنة ٩٥ ه.
ذكر الجاحظ في سبب تقربه للأمويين ، أن معاوية أراد أن يهجو الانصار لأنّ أكثرهم كانوا أصحاب علي بن أبي طالب ، ولا يرون رأي معاوية في الخلافة. فطلب ابنه يزيد من كعب ابن جعيل أن يهجوهم فأبى ذلك وقال : ولكني أدلّك على غلام منّا نصراني كأنّ لسانه لسان ثور لا يبالي أن يهجوهم فدلّه على الأخطل ، البيان والتبيين ج ١ / ٨٦.
وفي الأغاني ١٣ / ١٤٢ عن كعب بن جعيل ، قال : إنّ يزيد بن معاوية قال له : إن ابن حسان قد فضح عبد الرحمن بن الحكم وفضحنا ـ كانت له قصة مع زوجة ابن الحكم ـ فاهج الأنصار ، فقال له : أرادي أنت في الشرك؟ أأهجو قوما نصروا رسول الله وآووه؟ ولكني أدلك على غلام منا نصراني .. الحديث وفي رواية أخرى بعدها : أن معاوية دسّ إلى كعب وأمر بهجائهم فدلّه على الأخطل ... فهجاهم وكان في شعره :
ذهبت قريش بالمكارم والعلى |
|
واللؤم تحت عمائم الأنصار |
وروي أن الأنصار استعدوا على الأخطل معاوية فقال : لكم لسانه إلا أن يكون ابني قد أجاره ودسّ إلى يزيد من وقته : «إنّي قد قلت للقوم كيت وكيت فأجره ...» الأغاني ١٣ / ١٤٧.
وفي ج ٨ / ٢٩٩ قالوا فيه : «نصراني كافر يهجو المسلمين وكان يجيء وعليه جبّة خزو حرز خز في عنقه سلسلة ذهب فيها صليب ذهب تنفض لحيته خمرا حتى يدخل على عبد الملك بن مروان بغير إذن.
وكذلك أنشد شعرا بباب مسجد الكوفة ج ٨ / ٣٢١.
وكان ينادم يزيد ويسكر معه ج ١٦ / ٦٨ ، وخرج مع يزيد عام حج به. الأغانى ج ٨ / ٣٠١.
(٣) راجع باب مع معاوية من كتاب «أحاديث أم المؤمنين عائشة».