(نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ) يوسف / ٣٦ وفي تعبير الرسول (ص) في غزوة أحد : «فأوّلت أنّ الدرع المدينة» (١).
كان هذا معنى التأويل في اللغة وتلك أمثلة من موارد استعماله ، واستعار الصحابة والتابعون لفظ التأويل وأرادوا به تغيير الأحكام ، ومن ثمّ أصبح للتأويل في عرف مدرسة الخلفاء معنى جديد.
قال ابن الأثير : التأويل من آل الشيء يؤول إلى كذا ، أي رجع وصار إليه ، والمراد بالتأويل نقل ظاهر اللفظ عن موضعه الأصلي إلى ما يحتاج إلى دليل لولاه ما ترك ظاهر اللفظ (٢).
هكذا غيّروا مدلول اللفظ ، وانتشر هذا التغيير في كتب الحديث ، فقد قال البخاري في كتاب الأدب من صحيحه : «باب من أكفر أخاه من غير تأويل فهو كما قال». و «باب من لم ير إكفار من قال ذلك متأوّلا وجاهلا» (٣).
وفي شرح «باب ما جاء في المتأوّلين» من فتح الباري : والحاصل أنّ من أكفر المسلم ، نظر ، فإن كان بغير تأويل ، استحقّ الذمّ ، وربما كان هو الكافر ، وإن كان بتأويل ، نظر ، إن كان غير سائغ استحقّ الذمّ ولا يصل إلى الكفر بل يبيّن له وجه خطئه ويزجر بما يليق به ، ولا يلتحق بالأوّل عند الجمهور وإن كان ـ تكفيره ـ بتأويل سائغ لم يستحقّ الذمّ ، بل تقام عليه الحجّة حتّى يرجع إلى الصواب.
قال العلماء : كلّ متأوّل معذور بتأويله ، ليس بآثم إذا كان تأويله سائغا في لسان العرب ، وكان له وجه في العلم (٤).
هكذا طوّروا مدلول التأويل ، وأخيرا سمّوا موارد التأويل في عرفهم بالاجتهاد. وسندرس في ما يأتي ، المجتهدين في العصر الأوّل وموارد اجتهادهم.
__________________
(١) سنن الدارمي ٢ / ١٢٩ ، وراجع في موطأ مالك كتاب اللبس باب ما جاء في الانتعال ح ١٦ ، والدارمي كتاب الرؤيا الباب ١٣.
(٢) نهاية اللغة مادة «أول».
(٣) صحيح البخاري بمتن فتح الباري ١٣ / ١٢٩ ـ ٣٠.
(٤) فتح الباري (١٥ / ٣٣٣). لست أدري ما ذا يقولون في تكفير الخوارج عامّة المسلمين ، بلى إنّهم لا يعذرونهم ويسمّونهم المارقين عن الإسلام ، عدا ابن ملجم قاتل أمير المؤمنين ، فهو متأوّل معذور!!!