قال ابن تيمية في جواب هذا القول : «وأكثر هذه الامور لهم فيها معاذير تخرجها عن أن تكون ذنوبا ، وتجعلها من موارد الاجتهاد الّتي إن أصاب المجتهد فيها فله أجران ، وإن أخطأ فله أجر وعامّة المنقول عن الخلفاء الراشدين ، من هذا الباب».
ثم أطال الحديث حول ذلك في الصفحات ١٩ ـ ٣٠ من الجزء الثالث من منهاجه ، ثم أجاب بعدها عن كثير ممّا أورده العلامة على الكبراء النابهين بأنها من موارد الاجتهاد(١).
وقال ابن حجر في ترجمة أبي الغادية من الإصابة : «والظن بالصحابة في كلّ تلك الحروب أنّهم كانوا فيها متأوّلين ، وللمجتهد المخطئ أجر ، وإذا ثبت هذا في حقّ آحاد الناس فثبوته للصحابة بالطريق الأولى» (٢).
وقال الشيخ عبد الوهاب عبد اللطيف في هامش الصواعق : «وجميع الصحابة ممّن كان على عهد عليّ ، إمّا مقاتل معه ، أو عليه ، أو معتزل عن المعسكرين فلم يقاتله ، وامتنع عن قتاله جماعة منهم : أصحاب ابن مسعود وسعد بن أبي وقّاص واعتزل الفريقين حذيفة وابن مسلمة وأبو ذر وعمران بن حصين وأبو موسى الأشعري والجميع مجتهد متأوّل لا يخرج بما وقع عنه عن العدالة» (٣).
هكذا أجمع أتباع مدرسة الخلفاء منذ القرن الثاني الهجري حتّى اليوم ـ أوائل القرن الخامس عشر ـ على أنّ الصحابة كلّهم مجتهدون ، وأنّ الله سبحانه يثيبهم على كلّ ما فعلوا من خصومات وإراقة دماء ، لم يقتصر على رفع القلم عنهم ، بل يثيبهم على سيّئاتهم.
وعلى ما يزعمون! ما أعدله من حاكم ديّان حين يجازينا بسيئاتنا سيّئات ويجازيهم بها حسنات!!!
أجمعوا على هذا القول في حقّ الصحابة حتّى عصر معاوية ، وقال بعضهم : إنّ ذلك
__________________
(١) منهاج السنة ج ٣ / ١٩.
(٢) الإصابة بتراجم حرف الغين المعجمة من الكنى ٤ / ١٥١.
(٣) بهامش الصواعق ص ٢٠٩ ، وأكّد ذلك في فصل عدالة الصحابة من كتابه المختصر.
لم نعرف من هم أصحاب ابن مسعود الذين هم اعتزلوا الفتنة كما أن حذيفة لم يكن يوم ذاك في المدينة ، وإنما كان في المدائن ، وتوفي فيها وأوصى بمتابعة الإمام. وأبو ذر أعلن بالإنكار على إحداث الحكام حتّى نفى من بلد إلى بلد ، وأخيرا قضى نحبه طريدا في الربذة في خلافة عثمان سنة ٣٢ ه ، وابن أبي وقاص ندم على تخلفه عن الإمام ، وأبو موسى كان هواه مع مخالفي الإمام. وعمران بن حصين كان قد توفي قبل ذلك.