يجري حتّى عصر يزيد كما قاله ابن خلدون عمن كان يوم ذاك قال : إنّ منهم من رأى الإنكار على يزيد ومنهم من رأى محاربته ثمّ قال : «وهذا كان شأن جمهور المسلمين والكلّ مجتهدون ولا ينكر على أحد من الفريقين ، فمقاصدهم في البرّ وتحرّي الحقّ معروفة ، وفّقنا الله للاقتداء بهم» (١).
لست أدري إن كان كلّ هؤلاء مجتهدين لإدراكهم صحبة الرسول ، فما بال قتلة عثمان ولم لم يعدّوا من المجتهدين! قال ابن حزم بعد ما سبق ذكره في باب اجتهاد أبي الغادية قاتل عمّار :
«وليس هذا كقتلة عثمان (رض) لأنّه لا مجال للاجتهاد في قتله ، لأنّه لم يقتل أحدا ولا حارب ولا قاتل ولا دافع ولا زنى بعد إحصان ولا ارتدّ فيسوّغ المحاربة تأويل ، بل هم فسّاق محاربون سافكون دما حراما عمدا بلا تأويل على سبيل الظلم والعدوان فهم فساق ملعونون» (٢).
وقال ابن حجر الهيتمي : «انّ الّذي ذهب إليه كثيرون من العلماء أنّ قتلة عثمان لم يكونوا بغاة ، وإنّما كانوا ظلمة وعتاة لعدم الاعتداد بشبههم ، ولأنّهم أصرّوا على الباطل بعد كشف الشبهة وإيضاح الحقّ لهم ، وليس كلّ من انتحل شبهة يصير بها مجتهدا لأنّ الشبهة تعرض للقاصر عن درجة الاجتهاد» (٣).
لست أدري إذا كيف أصبح قاتل الإمام عليّ مجتهدا متأوّلا وقد ضربه بالسيف في الصلاة وفي محراب مسجد الكوفة كما يأتي التصريح به في ما يأتي :
ك ـ المجتهد المتأول عبد الرحمن بن ملجم قاتل الإمام علي
قال ابن حزم في المحلّى ، وابن التركماني في الجوهر النقي ، واللفظ للأوّل : «لا خلاف بين أحد من الأمّة في أنّ عبد الرحمن بن ملجم لم يقتل عليّا إلّا متأوّلا مجتهدا مقدّرا أنّه على صواب ، وفي ذلك يقول عمران بن حطّان شاعر الصفرية :
يا ضربة من تقيّ ما أراد بها |
|
إلّا ليبلغ من ذي العرش رضوانا |
إنّي لأذكره يوما فأحسبه |
|
أوفى البريّة عند الله ميزانا (٤) |
__________________
(١) مقدمة ابن خلدون ط. دار الكتاب اللبناني سنة ١٩٥٦ م ص ٣٨٠ ، وهو أبو زيد عبد الرحمن بن خلدون (٧٣٢ ـ ٨٠٨ ه) دفن بمقابر الصوفية بمصر ويقصد بمن حاربه ابن الزبير بمكة وأهل المدينة بواقعة الحرة.
(٢) الفصل لابن حزم ج ٤ / ١٦١.
(٣) الصواعق المحرقة لابن حجر ، ص ٢١٥.
(٤) ابن حزم في المحلى ج ١٠ / ٤٨٤ وابن التركماني في الجوهر النقي بذيل سنن البيهقى ٨ / ٥٨ و ٥٩ ، والجوهر ـ