ثمّ نزل وجاء المسلمون الّذين يخرجون مع أسامة يودّعونه ويمضون إلى المعسكر بالجرف ، وثقل رسول الله (ص) فجعل يقول : «انفذوا بعث أسامة» فلمّا كان يوم الأحد اشتدّ برسول الله وجعه فدخل أسامة من معسكره والنبيّ مغمور (١) فطأطأ أسامة فقبّله ، ورسول الله لا يتكلّم ، ورجع أسامة إلى معسكره ، ثمّ دخل يوم الاثنين وأصبح رسول الله (ص) مفيقا فقال له : «اغد على بركة الله» فودّعه أسامة وخرج إلى معسكره فأمر الناس بالرحيل فبينما هو يريد الركوب إذا رسول أمّه أمّ أيمن قد جاء يقول «إنّ رسول الله يموت» فأقبل وأقبل معه عمرو أبو عبيدة فانتهوا الى رسول الله (ص) وهو يموت فتوفي حين زاغت الشمس يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأوّل» (٢).
وفي شرح النهج : فلمّا أفاق رسول الله (ص) سأل عن أسامة والبعث فأخبر أنّهم يتجهزون فجعل يقول : «أنفذوا بعث أسامة ، لعن الله من تخلّف عنه» فكرّر ذلك. فخرج اسامة واللواء على رأسه والصحابة بين يديه حتّى إذا كان بالجرف نزل ومعه أبو بكر وعمرو أكثر المهاجرين ، ومن الأنصار اسيد بن حضير وبشير بن سعد وغيرهم من الوجوه ، فجاءهم رسول أمّ أيمن يقول ... الحديث (٣).
هذا ما كان من أمر بعث أسامة في حياة الرسول وروى عروة عن أمره بعد وفاة الرسول وقال : «لما فرغوا من البيعة واطمأنّ الناس قال أبو بكر لأسامة : امض لوجهك الذي بعثك له رسول الله (ص)» (٤).
فذهب اسامة بجيشه وتخلّف عنه الخليفتان أبو بكر وعمر لانشغالهما بإدارة شئون الخلافة.
وكان الخليفة عمر يقول لاسامة :
__________________
(١) مغمور : يغمى عليه.
(٢) طبقات ابن سعد ط. داري صادر وبيروت عام ١٣٧٦ ه ٢ / ١٩٠ ـ ١٩٢ في ذكر سرية أسامة ، وعيون الأثر كذلك ٢ / ٢٨١ وممن نص على أن أبا بكر وعمر كانا في بعث أسامة. كل من صاحب الكنز ، ط. الأولى ٥ / ٣١٢ ، ومنتخبه بهامش مسند أحمد ٤ / ١٨٠ عن عروة ، وبترجمة أسامة من أنساب الأشراف ١ / ٤٧٤ عن ابن عباس ، وبترجمة أسامة أيضا من طبقات ابن سعد ٤ / ٦٦ عن ابن عمر ، وبترجمته في تهذيب ابن عساكر ولفظه «استعمله على جيش فيه أبو بكر وعمر» ، وبتاريخ اليعقوبي ط. بيروت ٢ / ٧٤ في ذكر وفاة الرسول وابن الأثير في تاريخه ٢ / ١٢٣.
(٣) شرح النهج لابن أبي الحديد ج ٢ / ٢١.
(٤) تاريخ ابن عساكر ١ / ٤٣٣.