مات رسول الله (ص) وأنت عليّ أمير ، وحتّى أن ولى الخلافة كان إذا رأى أسامة (رض) قال : (السلام عليك ايها الأمير!) فيقول اسامة : غفر الله لك يا أمير المؤمنين تقول لي هذا! فيقول : لا أزال أدعوك ما عشت ، الأمير ، مات رسول الله (ص) وأنت عليّ امير (١).
وقد انتقدوا الخليفتين على تخلّفهما عن بعث اسامة ، فكان في ما اعتذروا عنهما ما مرّ من قولهم أنّه كان يبعث السرايا عن اجتهاد (٢) وعلى هذا فيجوز مخالفة أوامر الرسول في السرايا باجتهاد من الصحابة المجتهدين (٣).
ب ـ اجتهاد أبي بكر
أمّا موارد اجتهاد أبي بكر فمنها قصّة إحراقه الفجاءة السلمي كما رواها الطبري وابن الأثير وابن كثير واللفظ للأوّل قال : قدم على أبي بكر رجل من بني سليم اسمه الفجاءة وهو بجير بن أياس بن عبد الله بن عبد ياليل بن عميرة بن خفاف (٤) ، فقال لأبي بكر : إنّي مسلم وقد أردت جهاد من ارتد من الكفّار فاحملني وأعنّي ، فحمله أبو بكر على ظهر وأعطاه سلاحا فخرج يستعرض الناس المسلم والمرتدّ يأخذ أموالهم ويصيب من امتنع منهم ومعه رجل من بني الشّريد يقال له نجبة بن أبي الميثاء ، فلمّا بلغ أبا بكر خبره كتب إلى طريفة بن حاجر (٥) أنّ عدو الله الفجاءة أتاني يزعم أنّه مسلم ويسألني أن أقويه على من ارتد عن الإسلام فحملته وسلّحته ، ثم انتهى إليّ من يقين الخبر أنّ عدوّ الله قد استعرض الناس المسلم والمرتدّ ، يأخذ أموالهم ، ويقتل من خالفه منهم ، فسر إليه بمن معك من المسلمين حتّى تقتله ، أو تأخذه فتأتيني به. فسار إليه طريفة بن حاجر. فلمّا التقى الناس كانت بينهم الرمي بالنبل فقتل نجبة بن أبي الميثاء بسهم رمي به فلمّا رأى فجاءة من المسلمين الجدّ قال لطريفة : والله ما أنت بأولى منّي أنت أمير لأبي بكر وأنا أميره ، فقال له طريفة : إن كنت صادقا فضع
__________________
(١) راجع سرية اسامة في السيرة الحلبية ص ٢٣٧.
(٢) راجع شرح النهج لابن ابي الحديد ج ٤ / ١٧٣ ـ ١٧٨.
(٣) ويرد نظير ذلك في مخالفتهم لنصوص أخرى وردت عن رسول الله راجع شرح ابن أبي الحديد للخطبة ٣ الشقشقية ١ / ٥٣.
(٤) في جمهرة انساب ابن حزم ص ٢٦١ بباب ذكر نسب بنو سليم بن منصور «الفجاءة وهو بجير بن أياس بن عبد الله بن عبد ياليل بن سلمة بن عميرة بن خفاف المرتد أحرقه أبو بكر (رض) بالنار».
(٥) طريفة أبان بن سلمة بن حاجر السلمي ، ترجمته في الإصابة ٢ / ٢١٥.