السلاح وانطلق معي إلى أبي بكر ، فخرج معه فلمّا قدما عليه أمر أبو بكر طريفة بن حاجر فقال : اخرج به إلى هذا البقيع فحرّقه فيه بالنار فخرج به طريفة إلى المصلّى فأوقد له نارا فقذفه فيها.
وفي رواية قبلها عند الطبري : «فأوقد له نارا في مصلّى المدينة على حطب كثير ، ثمّ رمى به فيها مقموطا».
وفي لفظ ابن كثير : «فجمعت يداه إلى قفاه وألقي في النار فحرّقه وهو مقموط»(١).
وندم أبو بكر على فعله ذلك وقال في مرض موته :
«ثلاث فعلتهنّ وددت أنّي تركتهنّ ، وددت أنّي لم أكشف بيت فاطمة عن شيء وإن كانوا قد غلّقوه على حرب ، ووددت أنّي لم أحرق الفجاءة السلمي وأنّي كنت قتلته تسريحا أو خلّيته نجيحا ، ووددت أنّي يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين. يريد عمر وأبا عبيدة» (٢).
واعترض على أبي بكر في ذلك لأنّ حكم مفسد كالفجاءة جاء في القرآن الكريم مصرّحا به في سورة المائدة الآية ٣٣ : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ. ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ).
ووردت روايات عن رسول الله في النهي عن الإحراق كما في صحيح البخاري ومسند أحمد قوله (ص) (٣) : «لا يعذّب بالنار إلّا ربّ النار» ، و «انّ النار لا يعذّب بها إلّا الله» ، و «لا يعذّب بالنار إلّا ربّها».
وورد قوله : «من بدّل دينه فاقتلوه» (٤) ، وقوله «لا يحلّ دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمدا رسول الله إلّا بإحدى ثلاث : زنا بعد إحصان فإنّه يرجم ، ورجل
__________________
(١) تاريخ الطبري ط. مصر الأولى ٣ / ٢٣٤ ـ ٢٣٥ ، وابن الأثير ٢ / ١٤٦ ، وابن كثير ٩ / ٣١٩ في ذكرهم حوادث السنة الحادية عشرة.
(٢) الطبري ٤ / ٥٢ في ذكر حوادث السنة الثالثة عشرة ، وراجع بقية مصادره في فصل التحصن بدار فاطمة من عبد الله بن سبأ ، ١ / ١٠٦.
(٣) صحيح البخاري ٢ / ١١٥ باب لا يعذب بعذاب الله من كتاب الجهاد ، ومسند أحمد ٢ / ٢٠٧ و ٣ / ٤٩٤ ، وسنن أبي داود كتاب الجهاد ، باب في كراهية حرق العدو بالنّار ، ح ٢٦٧٣ ، ٢٦٧٥ ، ج ٣ / ٥٥ ، ٥٦ ، وكتاب الأدب باب في قتل الذرّح ٥٢٦٨ ، ج ٤ / ٣٦٧ ـ ٣٦٨ ، والبيهقي ٩ / ٧١ و ٧٢.
(٤) صحيح البخاري ، كتاب استتابة المرتدين ، وسنن أبي داود ، كتاب الحدود ، باب الحكم في من ارتدّ.