مكابرته موجبة لاستحقاق نفسه لوجب أن يكون ذلك الاستحقاق باقيا وإن كفّ المكابر.
وإذا ثبت أنّ الألم يحسن لأحد هذه الوجوه فقد اختلفوا في ما يفعله الله تعالى من الآلام بالعقلاء والأطفال والبهائم. فالذي عليه جمهور المتكلّمين قالوا : إنّما يحسن ذلك للعوض والنفع الموفّى عليه. وقالت التناسخيّة : إنّما يحسن لكونه مستحقّا ، أمّا في العقلاء فبجرائم سبقت ، وأمّا في البهائم والأطفال ، فحيث كانت أنفسهم في غير هذه الهياكل عاصية لله.
فيحتاج تحقيق البحث مع هذا الفريق إلى بيان أنّ الإنسان هو هذه الجملة ، ليبنى الردّ عليهم على إزالة مستندهم.
فنقول : اختلف الناس في الإنسان الذي يشير إليه كلّ واحد بقوله : «انا» ما هو؟ فقال جمهور الفلاسفة : إنّه ليس بجسم ولا جسماني ، بل هو مجرّد عن المادّة الجسميّة ، متعلّق بالبدن تعلّق الشعف ، مدبّر له بالاختراع ، وتابعهم على ذلك بعض المعتزلة ، ومن فقهائنا الشيخ المفيد (١٢١) في ما يحكى عنه. (١٢٢)
__________________
(١٢١) المتوفّى ٤١٣ ، ومؤلف الكتب الكثيرة الثمينة منها أوائل المقالات وتصحيح الاعتقاد وفيهما تعرض لكثير من المسائل الكلاميّة ، ولكن لم نجد مسألتنا هذه فيهما فراجع.
(١٢٢) ذهب الشيخ أبو سهل بن نوبخت من أصحابنا والمفيد محمد بن نعمان ـ ره ـ إلى أنّه شيء مجرّد غير مشار إليه بالحسّ ، متعلّق بهذه البنية تعلّق العاشق بمعشوقه ، لا تعلّق الحالّ بمحلّ ، وهو مذهب محقّقي الأوائل ، واختاره معمر من المعتزلة ... وقال جماعة من المتكلّمين : إنّ المكلّف هي الأجزاء الأصليّة في هذا البدن ، لا يتطرّق إليها الزيادة والنقصان ، باقية أوّل العمر إلى آخره. أنوار الملكوت ١٤٩.