المقصد الثاني في ما يسقط المستحقّ من العقاب : وهو ثلاثة أشياء : العفو ابتداء ، والتوبة ، والشفاعة.
والعفو عن العقاب جائز عقلا وشرعا ، أمّا عقلا فلأنّه حقّ الله ، وليس في اسقاطه وجه قبح ، فيجب أن يحسن ، كاسقاط الدين. وأمّا شرعا فبقوله : (وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) (١٥١) وبقوله : (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) (١٥٢) وبقوله : (إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) (١٥٣).
فإن قيل : لا نسلّم أنّه ليس فيه وجه قبح ، وبيانه : أنّ العقاب لطف المكلّف ، وتفويت اللطف وجه قبح ، ثمّ هو منقوض باسقاط الثواب واسقاط الذمّ ، فإنّهما لا يسقطان ولو أسقطهما المستحقّ لهما.
والجواب : أن نقول : قد بيّنا أنّه يكفي في اللطف تجويز إنزال العقاب ، فإنّ كلّ مكلّف يجوّز أن لا يعفى عنه ، فيكون ذلك زاجرا له عن مواقعة
__________________
ـ وقال الشهيد القاضي الطباطبائي في تعليقاته على اللوامع ص ٣٨٩ : لا نزاع في بطلان الكفر واستحقاق العقاب الذي حصل له بالإيمان ، وكذا لا نزاع في بطلان الإيمان وسائر الطاعات والأعمال واستحقاق الثواب بها بالكفر ... ومورد النزاع في المسألة هو المؤمن المطيع إذا فعل ما يستحقّ به عقابا فاختلف فيه أنّه هل يجتمع له استحقاق ثواب واستحقاق عقاب أم لا؟ فذهب أهل التحقيق والنظر الدقيق من الإماميّة بل أكثرهم إلى أنّه يجتمع له ذلك ، وقال جمهور المعتزلة : أنّه لا يمكن له ذلك ، وقالوا بالاحباط والتكفير ، وهو على خلاف التحقيق والتحليل العلمي الصحيح ...
(١٥١) سورة المائدة : الآية : ١٥.
(١٥٢) سورة النساء ، الآية : ٤٨.
(١٥٣) سورة الزمر ، الآية : ٥٣.