البحث الثاني في كيفيّة الاعادة :
القائلون بأنّ إفناء العالم بمعنى إعدامه طائفتان : طائفة تقول : المعدوم شيء وعين وذات في عدمه ، وطائفة تقول : هي (١٩٣) نفي محض. فمن قال بالأوّل ، زعم أنّ الإفناء إخراج الذات عن صفة الوجود ، فيكون الإعادة إيجادها بعد العدم. ومن قال بالثاني زعم أنّ الإفناء إخراج الذات عن كونها ذاتا بحيث تصير نفيا محضا ، والإعادة جعلها ذاتا بعد أن كانت نفيا.
والقولان ضعيفان (١٩٤) أمّا الأوّل فقد بيّنا (١٩٥) أن وجود كلّ شيء عبارة عن كونه ذاتا وحقيقة ، لا أنّ له بذلك صفة ، وهم بنوا هذا المذهب في الإعادة ، على القول بكون الوجود صفة زائدة على كونه ذاتا ، ثمّ نقول : لو كان المعدوم عينا لما صحّ إعادة المعدوم ، لأنّ العدم لا امتياز فيه لذات عن ذات ، والقصد إلى إيجاد الشيء متوقّف على امتيازه في العلم ، وامتيازه في العلم متوقّف على امتيازه في نفسه ، لكنّ المميّز لجوهر عن جوهر غير معقول في العدم.
لا يقال : يتميّز جواهر (١٩٦) زيد من غيرها بما كانت عليه حالة الوجود ، لأنّا نقول : ذلك الاختصاص قد زال بالعدم ، ومع زواله لا يتعلّق به العلم ، فلا يكون معلوما للعالم. فثبت أنّه يلزم من القول بالعدم عدم تميّزه في العلم ، ويلزم من ذلك استحالة القصد إليه ، لكن لو فرض ذلك لاستحالت
__________________
(١٩٣) كذا.
(١٩٤) أي باطلان : وسيجيء منه ـ رحمهالله ـ التصريح بذلك.
(١٩٥) في بحث أنّه تعالى موجود ، فراجع.
(١٩٦) كذا.