المكلّف عن حاله وحقيقته التي كان عليها إلّا بالموت حسب.
وقد كنّا عرّفناك أنّ المكلّف ليس هو جملة البنية ، بل هو شيء أصلي منها ، لا يتغير بصغر ولا كبر ولا سمن ولا هزال ، وذلك القدر يجب أن يبقى على حاله ليتحقّق إيصال الثواب إلى مستحقّه ، ولا تزول عنه إلّا الحياة حسب.
لا يقال : لو زالت عنه حياته لما صحّ إعادتها بعينها ، فإذا احيي كان ذلك غير الأوّل ، لأنّا نقول : تبدّل الحياة لا يخرج الشيء عن كونه ذلك الشيء ، فإنّ إنسانا لو مات ثمّ اعيدت إليه غير حياته ، لما قيل إنّ ذلك غيره ، وليس كذلك إذا نقلت أجزاؤه إلى شكل غير شكله ، فقد بان الفرق ، والله أعلم.
ويلحق بهذا البحث فصلان :
أحدهما الكلام في عذاب القبر والميزان والصراط.
والعقل يقول بامكان ذلك كلّه ، لكن لا يدلّ على وقوعه ، والشرع قد دلّ على وقوعه.
أمّا عذاب القبر فالإجماع دلّ عليه ، ومخالفة ضرار (٢٠١) لا تقدح في
__________________
(٢٠١) هو ضرار بن عمرو الغطفاني كان من كبار المعتزلة ثمّ خالفهم فكفّروه وطردوه ، وصنّف نحو ثلاثين كتابا بعضها في الردّ عليهم وعلى الخوارج ، مات نحو ١٩٠ ، وإليه تنسب الضراريّة.
في طبقات المعتزلة : قال أبو الحسن : سألت أبا علي عن عذاب القبر ، فقال : سألت الشحام ، فقال: ما منّا (أي من المعتزلة) أحد أنكره ، وإنّما يحكى ذلك عن ضرار. ص ٧٢.