كان العقل كاف ، وإن جاء بما ينافي العقل لم يجز الانقياد إليه ، كما لو جاء بإباحة الظلم والكذب.
ولقائل أن يقول : لم لا يجوز أن يأتي بتفصيل ما يدلّ عليه العقل جملة لا تفصيلا ، فإنّ العقل يشهد بأن ما كان لطفا في واجب فهو واجب. ثمّ لا نهتدي إلى كون الصلاة مثلا أو الصوم مشتملا على ذلك اللطف ، فيكون الشرع دالّا على هذا القدر وأشباهه ممّا لا يدلّ العقل عليه بعينه ، فظهر أنّ القسمين اللذين أشاروا إليهما غير حاصرين.
وإذا عرفت ذلك فوجه حسن البعثة كون الرسول مرشدا للعباد إلى مصالحهم الدينيّة ، وربّما كان مرشدا إلى أمور دنيويّة أيضا. (٢)
[البحث] الثاني في صفات النبيّ : والضابط عصمته عن ما يقدح في التبليغ ، أو ينفّر عن القبول ، فاتّفقوا على اشتراط كمال العقل ، وجودة الرأي ، وإن وجد ذلك في الطفل كما في حقّ عيسى ـ عليهالسلام ـ ، وعلى اشتراط سلامته من العيوب الواضحة كالابنة ، وانطلاق الريح ، واختلفوا في الجذام والبرص. وأجازوا اتّصافه بالعمى والصمم.
وأمّا العصمة عن المعاصي فقد اختلفوا ، فمنهم من عصمه عن الخلل
__________________
(٢) في التجريد للمحقّق الطوسي : البعثة حسنة لاشتمالها على فوائد كمعاضدة العقل في ما يدلّ عليه ، واستفادة الحكم في ما لا يدلّ ، وإزالة الخوف ، واستفادة الحسن ، والقبح والمنافع ، والمضارّ ، وحفظ النوع الإنسانيّ ، وتكميل أشخاصه بحسب استعداداتهم المختلفة ، وتعليمهم الصنائع الخفيّة ، والأخلاق والسياسات والإخبار بالعقاب والثواب ، فيحصل اللطف للمكلّف.