وأمّا المطلوب من هذا الباب
فهو الدلالة على نبوّة نبيّنا محمّد ـ عليهالسلام ـ فنقول : القائلون بجواز النسخ عقلا وشرعا اختلفوا في نبوّة نبيّنا ـ عليهالسلام ـ ، فمنهم من توقّف فيه زعما أنّه لم تقم دلالة على نبوّته ، وهم طائفة من اليهود ، والنصارى أجمع ، والباقون قطعوا بنبوّته لوجود الدلالة الدالّة عليه وهو اليقين.
والدلالة على نبوّته ـ عليهالسلام ـ أنّه ادّعى النبوّة وظهر المعجز على يده مطابقا لدعواه ، وكلّ من كان كذلك فهو نبيّ.
أمّا أنّه ادّعى النبوّة فمعلوم بالنقل المتواتر الذي لا يدفعه إلّا مكابر ، وقد عرفت أنّ الخبر المتواتر يفيد اليقين ، ولو ساغ إنكار مثل ذلك لساغ إنكار وجود البلاد المشهورة والوقائع المأثورة المرويّة ، لكن ذلك عين السفسطة.
وأمّا ظهور المعجز على يده فنقول : إنّ معجزاته تنقسم إلى (٥١) قسمين : فمنها ما هو الآن موجود ، وهو القرآن ، ومنها ما هو منقول بالتواتر ، أو النقل المشتهر. ونحن نذكر طرفا منها ، ونبدأ ببيان كون القرآن معجزا ، وقد عرفت أنّ المعجز هو الخارق للعادة المطابق لدعوى المدّعي ، والأمران موجودان في القرآن العزيز ، أمّا خرق العادة فلأنّ المألوف من كلام العرب إنّما هو الخطب والرسائل والشعر ، (٥٢) ومن المعلوم أنّ القرآن خارج عن هذه الامور ، ومجانب
__________________
(٥١) في الأصل : على قسمين.
(٥٢) تحيّر الوليد بن مغيرة حين سمع القرآن ، فقال : سمعت الشعر وليس بشعر ، والرجز وليس برجز ، والخطب وليس بخطب ، وليس له اختلاج الكهنة ، فقالوا له : أنت شيخنا فإذا قلت هذا ضعف قلوبنا ، ففكّر وقال : قولوا : هو سحر معاندة وحسدا للنبيّ ـ عليهالسلام ـ ، فأنزل الله تعالى هذه الآية : (إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ* فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ* ... إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ) الاقتصاد ١٧٤.