الوصف الثالث : كونه حيّا ، ونعني بالحيّ : الذي يصحّ أن يعلم ويقدر ، وقد ثبت أنّه قادر عالم ، فيجب أن يكون حيّا.
وقال قوم : «الحيّ من كان على صفة لكونه عليها يصحّ أن يعلم ويقدر» واستدلّوا على ذلك بمثل ما استدلّوا به على حال القادر. ونحن نقول : لم لا يجوز أن يكون ذلك الحكم راجعا إلى ذاته المنفردة بحقيقتها؟ فإن قالوا : الذوات متماثلة فلا بدّ من مائز. قلنا : سنبيّن ضعف هذا القول.
الوصف الرابع : كونه موجودا ، ونعني بالموجود ماله حقيقة في الخارج ، لا نعني به زيادة عن ذلك.
وقال قوم : الموجود له بذلك وصف زائد على حقيقته ، حتّى أنّه إذا كان ممكنا جاز انسلاخه عن ذلك الوصف مع تحقق هويّته ثابتة في الخارج ، لا إشارة إلى كونه صورة ذهنيّة ، ولا اقتصارا على كونه ممتازا في علم العالم ، حتّى انتهى بعضهم إلى التصريح بأنّ ذاته وصفة ذاته التي زعموا بها يحصل الاختلاف والتماثل ثابتة أزلا خارج الذهن ، وأن ليس للفاعل في حقيقته تأثير ، بل تأثيره في إيجاده ، لا في كونه ذاتا ولا جوهرا مثلا إن كانت الذات جوهرا ، ولا في حجميّته بعد وجوده ، بل أثره في تحيّزه بكونه يفعل الشرط وهو الوجود حسب.
__________________
ـ على الذات. وهذه المذاهب كلّها ضعيفة [باطلة] ، لأنّ وجوب الوجود يقتضي نفي هذه الأمور عنه ، لأنّه تعالى يستحيل أن يتّصف بصفة زائدة على ذاته ، سواء جعلناها معنى أو حالا أو صفة غيرهما ، لأنّ وجوب الوجود يقتضي الاستغناء عن كلّ شيء ، فلا يفتقر في كونه قادرا إلى صفة القدرة ، ولا في كونه عالما إلى صفة العلم ، ولا غير ذلك من المعاني والأحوال ...