القسم الثاني من الصفات وهو خمس :
الأوّل : وصفه بكونه مدركا ، فالأكثرون جعلوا له بذلك وصفا زائدا على كونه حيّا عالما. واحتجّوا لذلك بأنّ الإنسان قد يدرك ما لا يعلم. (٢١) وبأنّه يجد نفسه عند الإدراك على حال لم يكن قبل ذلك.
والحقّ أنّه ليس زائدا على كونه عالما بالمدرك ، والزيادة التي أشاروا إليها ليست إلّا تأثير المدرك في محلّ الإدراك لا غير ، أو قوّة العلم بوجود السبب المولّد (المؤكّد) لوضوح العلم ، والعلم قد يتفاوت بالقويّ والأقوى.
الثاني والثالث : وصفه بكونه سميعا بصيرا. فنقول : اتّفق المسلمون على إجراء ذلك عليه سبحانه واختلفوا في معناه ، فحكي عن أبي هاشم (٢٢) ما
__________________
ـ موجودا مثلا] فاسد ، لأنّ النظر في دليل واحد من وجه واحد لا يجوز أن يولّد أكثر من علم واحد ... وهذه العلوم متغايرة ، ألا ترى أنّه يعلمه موجودا من لا يعلمه حيّا ، ويعلمه حيّا موجودا من لا يعلمه قادرا ، فعلم بذلك أن هذه العلوم متغايرة ، وكذلك يصحّ أن يعلمه قادرا وإن لم يعلمه حيّا موجودا إذا كان الكلام في القديم تعالى ، وإنّما يستحيل ذلك فينا ، لأنّه إذا علم صحّة الفعل من الواحد منّا فقد علم وجود ذات ضرورة ، فلا يصح أن يعلمها قادرة ولا يعلمها موجودة ، فأمّا القديم تعالى فيصحّ ذلك فيه على ما قلناه من أنّه لا يثبت من النظر في دليل واحد من وجه واحد أكثر من علم واحد ... تمهيد الاصول ٣٩.
(٢١) قال الشيخ الطوسي ـ ره ـ في التمهيد ص ٤٤ : الذي يدلّ على ذلك أنّه قد ثبت كونه عالما ، ولا شيء أبلغ في تمييز إحدى الصفتين من الاخرى من انفراد كلّ واحدة منهما عن صاحبتها طردا وعكسا.
(٢٢) هو عبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب الجبائي ، عالم بالكلام ، من كبار المعتزلة ، له آراء انفرد بها وتبعته فرقة سمّيت «البهشمية» نسبة إلى كنيته ، وله ـ