ومن لواحق الكلام في الصفات : الكلام في كونه تعالى متكلّما وقد أجمع المسلمون على وصفه تعالى بذلك ووصف به نفسه بقوله (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) (١٦٨) ثمّ اختلفوا في معنى ذلك فقال أهل الحق : إنّه متكلّم بمعنى أنّه فعل الكلام الذي هو الحروف والأصوات ، وأنّ ذلك الكلام محدث ومجعول ومخلوق ، بمعنى أنّه فاعل له. وقال قوم : انّه متكلّم بكلام قديم قائم بذاته وهم الأشعريّة ومن تابعهم. وذهب أهل الحشو إلى أنّ كلامه هو الحروف والأصوات وهي مع ذلك قديمة. (١٦٩)
واعلم أنّ الكلام على هاتين الطائفتين يستدعي تقديم مقدّمة يكشف بها عن موضوع لفظة الكلام ، فنقول : الكلام هو ما انتظم من حرفين فصاعدا من هذه الحروف المعقولة المتواضع عليها إذا صدرت من معبّر واحد. وبهذه القيود يتبيّن أنّ ما صيغ من غير هذه الحروف لا يسمّى كلاما ، ولا الحرف الواحد ما لم تكن الزيادة منويّة كقولنا : ق وع ، وكذلك ما كان من هذه الحروف غير متواضع على تركيبها فانّه يكون مهملا ، وربّما سمّاه بعضهم كلاما ، ولو نطق ناطقان كلّ (٧٠) واحد منهما بحرف لم يسمّ مجموع نطقيهما كلاما بمقتضى هذا التحديد.
__________________
(١٦٨) سورة النساء ، الآية : ١٦٤.
(١٦٩) قال البحراني في قواعد المرام ص ٩٢ : وقالت الحنابلة : إنّه عبارة عن الحروف والأصوات المسموعة مع أنّ كلامه قديم ... فاستدلّوا على أنّ كلامه هو الحروف والأصوات ، بأنّ كلامه مسموع ، ولا مسموع إلّا الحرف والصوت ، فكلامه ليس إلّا الحرف والصوت ... ثمّ اثبتوا كونه قديما بأنّه لو كان حادثا لكان إمّا قائما بذاته أو بغيره أو لا في محلّ والأقسام الثلاثة باطلة ...
(٧٠) في الأصل : ناطقان لكلّ واحد. والصحيح ما أثبتناه.