لا يقال : الحيوان بعد خلقه تناله ضروب الألم ، ولو لا وجوده حيّا مدركا لسلم من ذلك ، لأنّا نقول : يحصل في ضمن ذلك من الأعواض ما ينغمر تلك الآلام ، فيعود حاصلها إلى النفع.
وأمّا التكليف : فهو البعث على ما يشقّ من فعل وترك ، وينحصر البحث في ثلاث مقامات :
المقام الأوّل في حسنه
والدليل على ذلك أنّه فعل الله ، وفعل الله سبحانه حسن ، فالتكليف حسن. وأمّا وجه حسنه فقد قال المعتزلة (٩٧) إنّه تعريض لما لا يحسن الابتداء به ، ولا يوصل إليه إلّا بالتكليف ، وذلك هو الثواب ، والثواب هو النفع المستحقّ الدائم المقارن للتعظيم والتبجيل. وإنّما قلنا : إنّ ذلك لا يحسن الابتداء به ، لأنّا نعلم قبح تعظيم من لا يعلم منه فعل ما يوجب التعظيم ، ونستقبح تعظيم من أسلم ولم يفعل من أركان الإسلام شيئا كما نعظّم
__________________
(٩٧) كان السبب في أنّهم سمّوا بذلك ، ما ذكر أنّ واصلا وعمرو بن عبيد اعتزلا حلقة الحسن البصري واستقلا بأنفسهما ، ذكره ابن قتيبة في المعارف.
قال الشهرستاني : روي أنّه دخل واحد على الحسن البصري فقال : يا إمام الدين لقد ظهر في زماننا جماعة يكفّرون أصحاب الكبائر ... وجماعة يرجئون أصحاب الكبائر ... فكيف تحكم أنت؟ ... فقبل أن يجيب ذلك ، قال واصل بن عطاء : أنا لا أقول : إنّ صاحب الكبيرة مؤمن مطلقا ، ولا كافر مطلقا ، بل هو في منزلة بين المنزلتين ، لا مؤمن ولا كافر ، ثمّ قام واعتزل إلى اسطوانة من أسطوانات المسجد ... فقال الحسن : اعتزل عنّا واصل ، فسمّي هو وأصحابه معتزلة ... راجع طبقات المعتزلة ص ١ ـ ٤.