الوجه الثاني : أنّ معرفة الله واجبة ، ولا يمكن تحصيلها إلّا بالنظر ، وكلّ ما لا يتمّ الواجب إلّا به فهو واجب. أمّا أنّ معرفة الله واجبة ، فلأنّها دافعة للضرر من خوف الوعيد ، أو لأنّها لطف في أداء الواجبات. وأمّا أنّه لا يمكن تحصيلها إلّا بالنظر ؛ فلأنّ المعارف إمّا ضروريّة ، وهو ما لا يمكن العاقل دفعه عن نفسه ، ويكون من فعل الله في المكلّف ، (١٠٤) وإمّا كسبيّة ، وهو ما لا يحصل إلّا بالنظر ، (١٠٥) والمعارف الإلهيّة ليست من قبيل الأوّل ، لأنّا نراجع أنفسنا فلا نرى العلم يحصل بها على ذلك الوجه ، فتعيّن أن يكون كسبيّة. وأمّا أنّ كلّ ما لا يتمّ الواجب إلّا به فهو واجب ، فضروريّ ، ولأنّه لو لم يجب ، لكان إمّا أن يسقط الواجب المتوقّف عليه ، وإمّا أن لا يسقط ، ويلزم من الأوّل أن لا يكون ما فرضناه واجبا ، واجبا ، ومن الثاني تكليف ما لا يطاق.
وإذا مرّ في كلامنا ذكر الخاطر ، فلا بدّ من الإيماء إلى شيء من تحقيقه ، فنقول : الخاطر هو التنبيه على جهة الخوف.
__________________
(١٠٤) العلوم على ضربين : ضروري ومكتسب ، فالضروري ما كان من فعل غيرنا فينا ، على وجه لا يمكننا دفعه عن نفوسنا ، وهو أولى من حدّ من قال : هو ما لا يمكن للعالم به دفعه عن نفسه بشكّ أو شبهة إذا انفرد ، لأنّ هذا موجود في علم البلدان والوقائع ، وهو يجوز أن يكون ضروريّا ومكتسبا ، فلا يصحّ له ما قالوه. تمهيد الاصول ١٩٠.
(١٠٥) وأمّا المكتسب ، فهو كلّ علم كان من فعلنا فهو مكتسب ، وهو أولى من حدّ من قال : إنّه ما أمكن العالم به نفيه عن نفسه بشكّ أو شبهة إذا انفرد ، لما قلناه في العلم بالبلدان ، لأنّه يجوز أن يكون مكتسبا ، وهذا غير موجود فيه. تمهيد الاصول ١٩١.