فقلت له : جعلت فداك ، ما العلة في ذلك؟ قال : «لأَنّ السّجُودَ هُوَ الخُضُوعُ لِلّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلَا يَنْبَغِي أنْ يَكُونَ عَلَى مَا يُؤْكَلُ وَيُلْبَسُ ؛ لأنَّ أَبْنَاءَ الدُّنْيَا عَبِيدُ مَا يَأكُلُونَ وَيَلْبَسُونَ ، وَالسَّاجِدُ فِي سُجُودِهِ فِي عِبَادَةِ اللهِ تَعَالى فَلَا يَنْبَغِي أنْ يَضَعَ جَبْهَتَهُ فِي سُجُودِهِ عَلَى مَعْبُودِ أبْنَاءِ الدُّنيَا الَّذِينَ اغْتَرُّوا بِغُرُورِهَا ، والسُّجُودُ عَلَى الأَرْضِ أفْضَلُ ؛ لأَنهُ أبْلَغُ في التَّواضُعِ وَالخُضُوعِ لِلّهِ عَزَّ وَجَلَّ» (١).
٤. أدلة المسألة
والآن نأتي على ذكر الأدلة ، ونبدأ أولاً بكلام رسول الله صلىاللهعليهوآله :
أ) الحديث النبوي المعروف المرتبط بالسجود على الأرض
هذا الحديث نقله الشيعة والسنّة عن النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله يقول : «جُعِلَتْ لِي الأرْضُ مَسْجِداً وَطَهُورَاً» (٢).
وظنّ بعضهم أنّ معنى الحديث هو أنّ الأرض وما عليها مكان لعبادة الله والتعبد ، ولا يوجد مكان خاص ومعين للعبادة ، كما يقول به اليهود والنصارى : من أنّ العبادة لا بدّ أن تكون في الكنيسة أو المعابد الخاصّة. ولكن مع أدنى تأمل يتضح أنّ هذا التفسير لا ينسجم مع المعنى الواقعي للحديث ؛ لأن النبي صلىاللهعليهوآله قال : «جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً» ونعلم أنّ ما هو طهور يمكن التيمم منه ، كالتراب والحصى من الأرض ، وعلى هذا لا بدّ أن يكون مكان السجود من نفس التراب والحصى.
__________________
(١). علل الشرائع للصدوق ، ج ٢ ، ص ٣٤١.
(٢). صحيح البخاري ، ج ١ ، ص ٩١ ؛ وسنن البيهقي ، ج ٢ ، ص ٤٣٣ ، وهناك كتب أخرى كثيرة نقلت هذا الحديث.