هذه الآثار تأخذ الإنسان إلى أعماق التاريخ بسبب جاذبيتها وتأثيرها العجيب عليه. فمقبرة البقيع التي كانت مشهداً رائعاً ، تحكي كل زاوية منها حدثاً تاريخياً مهمّاً ، تحولت اليوم إلى صحراء قاحلة وموحشة المنظر ، وسط الفنادق الجميلة والبنايات الفخمة ، حيث تفتح أبوابها الحديدية غير المنظمة ـ بدون أقفال ـ أمام الزوار الرجال فقط لمدّة ساعة أو ساعتين في اليوم.
الذرائع التي يقدمها الوهابيون :
الذريعة الأولى : يجب ألّا تتخذ القبور مساجد :
تارة يقولون : إنّ البناء على القبور يؤدّي بالنتيجة إلى عبادتها والحديث النبوي شاهد على عدم جواز ذلك : «لَعنَ اللهُ اليَهودَ اتّخَذُوا قُبورَ أنْبِيَائِهِمْ مَساجِدِ» (١) ، ولكن هذا الأمر واضح لجميع المسلمين ، فلا يوجد أحد يقوم بعبادة قبور أولياء الله. وهناك فرق بيِّن وواضح بين «الزيارة» و «العبادة» ، فكما نذهب لزيارة الأحياء ونقدم الاحترام للكبار ونطلب منهم الدعاء ، نذهب لزيارة الأموات احتراماً لزعماء الدين وشهداء الإسلام ، ونطلب منهم الدعاء.
فهل هناك عاقل يقول : إنّ زيارة العظماء في حياتهم بالصورة التي ذكرت تكون عبادة ، وشركاً وكفراً؟ وزيارتهم بعد وفاتهم كذلك أيضاً؟
فنبي الإسلام صلىاللهعليهوآله كان يذهب لزيارة قبور البقيع ، وهناك روايات كثيرة موجودة في مصادر أهل السنّة تشير إلى ذلك.
__________________
(١). صحيح البخاري ، ج ١ ، ص ١١٠. وجاء في صحيح مسلم ، ج ٢ ، ص ٦٧. أيضاً بإضافة «النصارى».