__________________
أين حذيفة بن اليمان.
قال حذيفة : وكنت في همّ من العلّة ، وكانت الهراوة بيدي ، وكنت أميل ضعفا ، فلمّا نادى باسمي لم أجد بدا أن ناديت : لبيك يا رسول الله. وجعلت أدبّ فلمّا وقفت بين يديه ، قال : يا حذيفة ، هل تعرف المنافقين؟
قال حذيفة : ما المسئول أعلم بهم من السائل.
قال : يا حذيفة ، أدن مني ، فدنا حذيفة من النبيّ ، فقال النبيّ : استقبل القبلة بوجهك.
قال حذيفة : فاستقبلت القبلة بوجهي ، فوضع النبيّ يمينه بين منكبيّ ، فلم يستتم وضع يمينه بين كتفيّ حتى وجدت برد أنامل النبيّ في صدري ، وعرفت المنافقين بأسمائهم وأسماء آبائهم وأمهاتهم ، وذهبت العلة من جسدي ، ورميت بالهراوة من يدي ، وأقبل عليّ النبيّ فقال : انطلق حتّى تأتيني بالمنافقين رجلا رجلا.
قال حذيفة : فلم أزل أخرجهم من أوطانهم ، فجمعتهم في منزل النبيّ وحول منزله ، حتّى جمعت مائة رجل واثنين وسبعين رجلا ، ليس فيهم رجل يؤمن بالله ويقرّ بنبوة رسوله.
قال : فأقبل النبيّ على عليّ عليهالسلام وقال : أحمل هذه الصحفة إلى القوم.
قال علي : فأتيت لأحمل الصحفة ، فلم أقدر عليها ، فاستعنت بأخي جعفر وبأخي عقيل ، فلم نقدر عليها ، فلم نزل نتكامل حول الجفنة إلى أن صرنا أربعين رجلا فلم نقدر عليها ، والنبيّ قائم على باب الحجرة ينظر إلينا ويتبسّم ، فلمّا أن علم أنّ لا طاقة لنا بها ، قال : تباعدوا عنها ، فتباعدنا فطرح ذيل بردته على عاتقه ، وجعل كفه تحت الصحفة وشالها إلى منكبه ، وجعل يجري بها كما ينحدر سحاب في صبب فوضع الصحفة بين أيدي المنافقين ، وكشف الغطاء عنها ، والصحفة على حالها لم ينقص منها ، ولا خردلة واحدة ، ببركة رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فلما نظر المنافقون إلى ذلك قال بعضهم لبعض ، وأقبل الأصاغر على الأكابر وقالوا : لا جزيتم عنا خيرا ، أنتم صددتمونا عن الهدى بعد إذ جاءنا ، تصدونا عن دين محمّد ، ولا بيان أوثق مما رأينا ، ولا شرح أوضح مما سمعنا؟!
وأنكر الأكابر على الأصاغر ، فقالوا لهم : لا تعجبوا من هذا ، فإن هذا قليل من سحر محمّد.
فلمّا سمع النبيّ مقالتهم حزن حزنا شديدا ، ثم أقبل عليهم فقال : كلوا ، لا أشبع الله بطونكم. فكان الرجل منهم يلتقم اللقمة من الصحفة ويهوي بها إلى فيه ، فيلوكها لوكا شديدا ، يمينا وشمالا ، حتّى إذا همّ ببلعها خرجت اللقمة من فيه ، كأنّها حجر.