هيكليّة نفس المعجز القرآني ؛ فالقرآن على الإنصاف بني الإعجاز الذي فيه على مجموعة أسس ، منها أساس الغيب إضافة إلى إعجاز البلاغة والفصاحة وحسن التركيب الأدبي .. وغير ذلك ، فالغيب عنصر مهمّ في إضفاء الإعجاز مضافا إلى الأبعاد الإعجازيّة الأخرى ؛ فمثلا روى المحدّثون ومنهم الطبرانيّ قال :
حدّثنا أحمد بن عمرو البزّار والعبّاس بن حمدان الحنفيّ قالا : حدّثنا زيد ابن أخزم ، حدّثنا أبو داود ، حدّثنا القاسم بن الفضل ، عن يوسف بن مازن الراسبيّ ، قال : قام رجل إلى الحسن بن عليّ [عليهماالسلام] فقال : سوّدت وجوه المؤمنين ، فقال : «لا تؤنبني رحمك الله فإنّ رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم قد رأى بني أميّة يخطبون على منبره رجلا فرجلا فساءه ذلك ، فنزلت هذه الآية : (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) نهر في الجنّة ، ونزلت : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) تملكه بنو أميّة ، قال القاسم : فحسبنا ذلك فإذا هو ألف لا يزيد ولا ينقص (١). وروى هذا الحديث أئمة وأعلام أبناء الجماعة ، ومنهم الترمذي في سننه (٢) ، بعبارة قريبة من العبارة الآنفة.
قال المباركفوري : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ) أي القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا (فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) ؛ أي الشرف والعظم (وَما أَدْراكَ) أي أعلمك يا محمّد (ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ) تعظيم لشأنها وتعجيب منه ، (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) أي ليس فيها ليلة القدر فالعمل الصالح فيها خير منه في ألف شهر ليست فيها «يملكها» الضمير المنصوب راجع إلى ألف شهر ، والمعنى أنّ ليلة القدر خير من مدّة ألف شهر
__________________
(١) المعجم الكبير ٣ : ٨٩.
(٢) سنن الترمذي ٥ : ١١٥ / ٣٤٠٨.