ولا بأس بلفت النظر إلى أنّ ابن كثير مع أنّه متحامل في كثير من الأشياء ، حاول التشكيك في هذه المسألة ، لكنّه لمّا علم أنّ مثل هذا التشكيك خلاف ما عليه في الأخبار المعتبرة عاد في تفسيره فشكّك بنفس تشكيكه ؛ فقد قال :
قلت : وقول القاسم بن الفضل الحدانيّ أنّه حسب مدّة بني أميّة فوجدها ألف شهر لا تزيد يوما ولا تنقص ، ليس بصحيح فإنّ معاوية بن أبي سفيان استقل بالملك حين سلّم إليه الحسن بن عليّ الإمرة سنة أربعين ، واجتمعت البيعة لمعاوية ، وسمّي ذلك عام الجماعة ، ثمّ استمرّوا فيها متتابعين بالشام وغيرها لم تخرج عنهم إلّا مدّة دولة عبد الله بن الزبير في الحرمين والأهواز وبعض البلاد قريبا من تسع سنين ، لكن لم تزل يدهم عن الإمرة بالكلّيّة ، بل عن بعض البلاد إلى أن استلبهم بنو العبّاس الخلافة في سنة اثنتين وثلاثين ومائة ، فيكون مجموع مدّتهم اثنتين وتسعين سنة ، وذلك أزيد من ألف شهر فإنّ الألف شهر عبارة عن ثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر ، وكأنّ القاسم بن الفضل أسقط من مدّتهم أيام ابن الزبير وعلى هذا فيقارب ما قاله الصحّة في الحساب ، والله أعلم (١). فتأمّل في تراجعه المضحك.
وعلى أيّ حال فما نريد قوله من ذلك هو أنّ القرآن ليس هو المعجزة الظاهرة الفريدة التي حارب الرسول محمّد صلىاللهعليهوآله بها من أجل كلمة الله العليا ، ولنا أن نقول :
إنّ القرآن لا يدور الإعجاز الذي فيه على كونه غاية السلامة في التركيب الأدبي ، وقمّة الفصاحة فقط ، بحيث يعجز البشر عن أن يأتوا بمثله ، فقد اتّضح لنا أنّه علاوة على ذلك يدور على عنصر آخر ، وهو عنصر الغيب الذي فيه ، وهنا لا بدّ من التنبيه على أنّ الغيب الذي في القرآن ليس لأحد أن يجزم فيه سوى المعصوم ؛ فلقد
__________________
(١) تفسير ابن كثير ٤ : ٥٦٦.