اتّضح أنّ ألف شهر هي مدّة ملك بني أميّة بتفسير الرسول صلىاللهعليهوآله نفسه لا غير ، ولو لا ذلك لما عرفنا ، وهذا يوقفنا على بعد آخر من أبعاد بناء الإعجاز ، فيبدو أنّ الإعجاز عنصر من عناصر بناء نفس النبوّة لا القرآن فقط ، أو هما متلازمان بلا انفكاك ؛ أي ما كان دخيلا في بناء القرآن من الإعجاز هو كذلك دخيل في بناء النبوّة بلا أدنى ترديد.
ومن هذا القبيل قوله تعالى : (الم* غُلِبَتِ الرُّومُ* فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ* بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ* وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) الروم (١) ففي هذه الآيات المباركة يتّضح ما ذكرناه من تلك الملازمة ؛ فالقرآن إذا كان معجزة هذا الدين القيّم ، فهو في نفس الوقت معجزة خاتم الأنبياء والمرسلين محمّد صلىاللهعليهوآله ، وبجميع الأحوال فمثل هذا الغيب يحقّق مصداقين ، الأوّل : لنفس القرآن ، والثاني : لنفس النبوّة.
وفي الحقيقة إنّ في الإعجاز القرآني والمعجزة القرآنيّة أغراضا أخرى تتعدّى تحقيق المصداقيّة للنبوّة والدين ، وهذا أمر غفل عنه مفسّروا هذه الأمّة ، ـ شيعة وسنّة ـ ، أو لم يذكروه على أنّه غرض مهم ، وهو تحقيق المصداقيّة لأمر ثالث ورابع إلى ما لا يحصى ، ومن هذه الأمور هو استحقاق خلافة النبوّة ، فمن المعلوم أنّ مثل هذا الاستحقاق لا ينهض بأعبائه إلّا من كان محيطا بألغاز القرآن ، وقادرا على فكّ رموزه السماويّة ، فليس من المعقول أن نفضّل من كان جاهلا بهذه الأولويّات على من كان عالما بها ، وهذا هو الخليفة أبو بكر افتضح أمره لمّا أراد أن يحوز قصب
__________________
(١) سورة الروم : ١ ـ ٦.