فالذي يتّضح لنا من ذلك أنّ الله سبحانه وتعالى قد يطلع البشر على غيبه ، كما فعل جلّت أسماؤه في سورة الروم ؛ حيث أطلعهم على أنّ الروم سينتصرون على الفرس بعد بضع سنين ، ولكنّ المصالح والمفاسد ، هي التي دعت ربّ العزّة لأن لا يعلن عن المدّة على وجه الدقّة ، وبعض الغرض من ذلك ، اتّضح من حديث الترمذيّ الآنف ، وهو في النتيجة يفسّر لنا عدم أهليّة أبي بكر لخلافة النبوّة ، والعجيب أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله نفسه سكت ولم يحدّد هذه المدّة ، من منطلق تلك المصالح والمفاسد ، في حين نجد أبا بكر يضرب بكلّ ذلك ، ويدّعي ما برهن على فضيحته وفضيحة رهانه اللامسئول ، حتّى أنّ المسلمين عابوا عليه ذلك ...
وفي الكافي الشريف روى الكليني رحمهالله ما يزيح النقاب عن كثير من الحقائق ؛ فقد روى عن ابن محبوب ، عن جميل بن صالح ، عن أبي عبيدة قال : سألت أبا جعفر عليهالسلام عن قول الله عزوجل : (الم* غُلِبَتِ الرُّومُ* فِي أَدْنَى الْأَرْضِ) قال : فقال : يا أبا عبيدة إنّ لهذا تأويلا لا يعلمه إلّا الله والراسخون في العلم من آل محمّد صلوات الله عليهم ، إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله لمّا هاجر إلى المدينة وأظهر الإسلام كتب إلى ملك الروم كتابا وبعث به مع رسول يدعوه إلى الإسلام ، وكتب إلى ملك فارس كتابا يدعوه إلى الإسلام وبعثه إليه مع رسوله ، فأمّا ملك الروم فعظّم كتاب رسول الله صلىاللهعليهوآله وأكرم رسوله ، وأمّا ملك فارس فإنّه استخفّ بكتاب رسول الله صلىاللهعليهوآله ومزّقه واستخفّ برسوله ، وكان ملك فارس يومئذ يقاتل ملك الروم ، وكان المسلمون يهوون (١) أن يغلب ملك الروم ملك فارس ، وكانوا لناحيته أرجى منهم لملك فارس فلمّا غلب ملك فارس الروم كره ذلك المسلمون واغتمّوا به ، فأنزل الله عزوجل بذلك كتابا قرآنا (الم* غُلِبَتِ الرُّومُ* فِي أَدْنَى الْأَرْضِ) يعني غلبتها
__________________
(١) أي يحبّون.