النصرانيّ الطبيب تلميذ بختيشوع ، وهو منصرف من دار موسى بن بغا (١) ، فسايرني وأفضى بنا الحديث إلى أن قال : أترى هذا الجدار؟ تدري من صاحبه؟ قلت : ومن صاحبه؟ قال :
هذا الفتى العلويّ الحجازيّ ـ يعني عليّ بن محمّد [بن عليّ] الرضا عليهمالسلام وكنّا نسير في فناء داره ـ قلت ليزداد : نعم ، فما شأنه؟
قال : إن كان مخلوق يعلم الغيب فهو! قلت : وكيف ذلك؟
قال : أخبرك عنه بأعجوبة لن تسمع بمثلها أبدا ، ولا غيرك من الناس ، ولكن لي الله عليك كفيل وراع أنّك لا تحدّث به عنّي أحدا ، فإنّي رجل طبيب ولي معيشة أرعاها عند هذا السلطان ، وبلغني أنّ الخليفة استقدمه من الحجاز فرقا منه لئلّا تنصرف إليه وجوه الناس فيخرج هذا الأمر عنهم ـ يعني بني العبّاس ـ ، قلت : لك عليّ ذلك ، فحدّثني به وليس عليك بأس ، وإنّما أنت رجل نصرانيّ لا يتّهمك أحد فيما تحدّث به عن هؤلاء القوم.
قال : نعم ، أعلمك أنّي لقيته منذ أيّام وهو على فرس أدهم ، وعليه ثياب سود وعمامة سوداء ، وهو أسود اللون.
فلمّا بصرت به وقفت إعظاما له ، وقلت في نفسي ـ لا وحقّ المسيح ما خرجت من فمي إلى أحد من الناس ، قلت في نفسي ـ : ثياب سود ، وعمامة سوداء ، ودابّة سوداء ، ورجل أسود ، سواد في سواد في سواد وفي سواد.
فلمّا بلغ إليّ أحدّ النظر إليّ ، وقال عليهالسلام : قلبك أسود مما ترى عيناك من سواد ، في
__________________
(١) موسى بن بغا الكبير ، أبو عمران ، أحد قواد المتوكّل (لعنه الله) الذين قدموا معه دمشق مات يوم الجمعة لليلتين بقيتا من صفر سنة ٢٦٤ ه ببغداد ، فحمل إلى سرّ من رأى ، فدفن بها (انظر ترجمته كاملة في تاريخ مدينة دمشق ٦٠ : ٤٠١ / ٧٧١١).