التوحيد
إن وجود الله تعالى وتوحيده من البداهات التي يدركها الإنسان بفطرته ، ويهتدي إليها بطبيعته. وليس من مسائل العلوم المعقدة ، ولا من حقائق التفكير العويصة.
ولو لا أن شدة الظهور قد تلد الخفاء ، واقتراب المسافة جدا قد يعطل الرؤية ، ما اختلفت على ذلك مؤمن ولا ملحد.
(أَفِي اللهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [إبراهيم : ١٠].
وقد جاءت الرسل لتصحيح فكرة الناس عن الألوهية. فإنهم وإن عرفوا الله بطبيعتهم إلا أنهم أخطئوا في الإشراك به ، والفهم عنه. (هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ) [إبراهيم : ٥٢]. (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) [محمد : ١٩].
والبيئة الفاسدة خطر شديد على الفطرة ، فهي تمسخها وتشرّد بها ، وتخلّف فيها من العلل ما يجعلها تعاف العذب وتسيغ الفجّ.
وذاك سر انصراف فريق من الناس عن الإيمان والصلاح ، وقبولهم للكفر والشرك! مع منافاة ذلك لمنطق العقل وضرورات الفكر وأصل الخلقة.
(إني خلقت عبادي حنفاء كلهم ، فأتتهم الشياطين ، فاجتالتهم عن دينهم ، وحرّمت عليهم ما أحللت لهم ..) (١).
وقد اقترنت حضارة الغرب ـ التي تسود العالم اليوم ـ بنزوع حاد إلى المماراة في وجود الله ، والنظر إلى الأديان ـ جملة ـ نظرة تنقّص ، أو قبولها كمسكنات اجتماعية لأنصارها والعاطفين عليها.
ولا شك أن المحنة التي يعانيها العالم الآن أزمة روحية ، منشؤها كفره بالمثل العليا التي جاء بها الدين ، من الحق ، والإنصاف ، والتسامح ، والإخاء.
فلا نجاة له مما يرتكس فيه إلا بالعودة إلى هذه المثل ، يهتدي إليها بفطرته ، كما
__________________
(١) أخرجه مسلم ٤ / ٢١٩٧ (٢٨٦٥) ، وأحمد ٤ / ١٦٢ (١٧٥١٩) ، وابن حبان ٢ / ٤٢٢ (٦٥٣).