العدل
العدل الإلهي ـ عند المؤمنين بالله تعالى ـ قضية بديهية لا يرقى إليها شك ، ولا يعتريها ريب ، ولا تحوم حولها شبهة.
وكل الأديان السماوية ، وكل معطيات العقل السليم والمنطق العلمي مقرّان بذلك أتم اقرار ، ومذعنان له أكمل اذعان.
ولهذا لم يكن العدل الإلهي ـ بمعناه البحت المجرد ـ معضلة من المعضلات الفكرية المعقدة التي تحتاج إلى تجريد بحث خاص ، يعنى بتسجيل براهينها وايراد أدلتها ومناقشة ما قيل ويقال بشأنها من شبهات وشكوك. بل ربما يعتبر البحث فيها تافها إلى حد بعيد ، لأنه من قبيل الحديث عن توضيح الواضحات والاستدلال على المسلّمات.
ولكن المسائل الفكرية البديهية قد تحوطها ملابسات هامشية معينة ، وتضاف إليها تفريعات جانبية معقدة ، وتلقى عليها ظلال قائمة من التفاسير والشروح والتأويلات ، فيتكدر صفاؤها وينطمس إشراقها وينقلب وضوحها إلى لغز وجلاؤها إلى غموض ، ويصبح استكشاف الواقع ـ في هذه الحال ـ محتاجا إلى كثير من البحث والمناقشة والأخذ والرد ، لتظهر الحقيقة الضائعة جلية ناصعة ، لا يحجبها ضباب الحواشي والتفريعات ، ولا تطمس معالمها تلك الأكداس الهائلة من المجادلات العقيمة المطولة.
المجبرة القدرية
الإيمان بالقضاء والقدر عقيدة من العقائد التي أسسها الإسلام على الإيمان بالله عزوجل ، وبناها على المعرفة الصحيحة لذاته العليا ، وأسمائه الحسنى ، وصفاته العظمى.
ولا ريب أن الإسلام قد أوجب لله نعوت الكمال ، وصفات الجلال والجمال ، ودواعي الحمد والتمجيد.
ووافق العقل النقل في ذلك كله ، ثم فصلت هذه الكمالات الواجبة لرب الوجود : (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (٢) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى (٣)) [الأعلى : ٢ ـ ٣].
فكان في عداد ما ينبغي الإيمان به والاطمئنان إليه ، أن لله وحده صفات العلم