ومقدار ما يودع فيها من ذكاء أو غباء ، والأمزجة وما يلابسها من هدوء أو عنف ، والأجسام وما تكون عليه من طول أو قصر ، وجمال أو قبح ، والشخصيات وما تطبع عليه من امتداد أو انكماش ، والزمان الذي تولد فيه والمكان الذي تحيى به ، والبيئة التي تنشأ في ظلها ، والوالدان اللذان ينحدر منهما ، وما تتركه الوراثة في دمك من غرائز وميول. والحياة والموت ، والصحة والمرض ، والسعة والضيق ، ذلك ومثله ، لا يد للإنسان به.
فأصابع القدر وحدها هي التي تتحرك ظاهرة وباطنة ، لتوجه الحياة كما يريد صاحب الحياة.
(إِنَّ اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (٥) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦)) [آل عمران : ٥ ـ ٦].
وغنيّ عن البيان ، أن شيئا من هذا ليس محل مؤاخذة ولا موضع حساب ، وإنما لفتنا النظر إليه لتعرف أن الجنسية التي تنتمي إليها ، واللغة التي تنطق بها ، بل نوع التكوين الذي يوجد الإنسان عليه ، ذكرا كان أو أنثى.
هذا شيء من الخصائص التي لا قبل لنا بها ، ولا سبيل لنا إليها ، وفي مثلها يساق قول القرآن الحكيم : (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٨) وَرَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ (٦٩) وَهُوَ اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٧٠)) [القصص : ٦٨ ـ ٧٠].
والإيمان بهذا الضرب من القدر واجب ، والأدلة عليه متظاهرة من العقل والنقل.
وعلى المؤمن أن يوقن ـ من أعماق قلبه ـ أن هذه أمور مفروغ منها ، مفرقة على ذويها ، من قديم جفت الأقلام بها فلا راد لها.
هذه أمور علمها الحق وأرادها ، ونفذها استقلالا ، ولسنا منها في قليل ولا كثير.
وقد أحسن سلفنا الصالح الإيمان بها فكان أثرها في مسلكهم رائعا.
وإذا علم الواحد منهم أن أجله مكتوب لا ينقصه الإقدام ولا يزيده الإحجام ،